تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٩٦
صدقه وكثرة ما صدق به من غيوب الله تعالى وآياته وكتبه ورسله وكان الرجحان والغلبة في هذا التصديق للكتب والرسل أي كان مصدقا بجميع الأنبياء وكتبهم وكان نبيا في نفسه كقوله تعالى: * (بل جاء بالحق وصدق المرسلين) * (الصافات: 37) أو كان بليغا في الصدق لأن ملاك أمر النبوة الصدق ومصدق الله تعالى بآياته ومعجزاته حري أن يكون كذلك انتهى.
وفيه إشارة إلى أن المبالغة تحتمل أن تكون باعتبار الكم وأن تكون باعتبار الكيف ولك أن تريد الأمرين لكون المقام مقام المدح والمبالغة، وقد ألم بذلك الراغب، وأما أن التكثير باعتبار المفعول كما في قطعت الحبال فقد عده في " الكشف " من الأغلاط فتأمل، واستظهر أنه من الصدق لا من التصديق، وأيد بأنه قرىء * (أنه كان صادقا) * وبأنه قلما يوجد فعيل من مفعل والكثير من فاعل، وفسر بعضهم النبي هنا برفيع القدر عند الله تعالى وعند الناس.
والجملة استئناف مسوق لتعليل موجب الأمر فإن وصفه عليه السلام بذلك من دواعي ذكره وهي على ما قيل اعتراض بين المبدل منه وهو إبراهيم والبدل وهو إذ في قوله تعالى:
* (إذ قال لابيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) * * (إذ قال) * وتعقبه صاحب الفرائد بأن الاعتراض بين البدل والمبدل منه بدون الواو بعيد عن الطبع، وفيه منع ظاهر، وفي " البحر " أن بدلية إذ من إبراهيم تقتضي تصرفها والأصح أنها لا تتصرف وفيه بحث، وقيل: إذ ظرف لكان وهو مبني على إن كان الناقصة وأخواتها تعمل في الظروف وهي مسألة خلافية، وقيل: ظرف لنبينا أي منبىء في وقت قوله: * (لأبيه) * وتعقب بأنه يقتضي أن الاستنباء كان في ذلك الوقت، وقيل: ظرف لصديقا، وفي " البحر " لا يجوز ذلك لأنه قد نعت الأعلى رأى الكوفيين، وفيه أن * (نبيا) * خبر كما ذكرنا لا نعت، نعم تقييد الصديقية بذلك الوقت لا يخلو عن شيء.
وقيل ظرف لصديقا نبيا وظاهره أنه معمول لهما معا، وفيه أن توارد عاملين على معمول واحد غير جائز على الصحيح، والقول بأنهما جعلا بتأويل اسم واحد كتأويل حلو حامض بمز أي جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء عليهم السلام حين خاطب أباه لا يخفى ما فيه، والذي يقتضيه السياق ويشهد به الذوق البدلية وهو بدل اشتمال، وتعليق الذكر بالأوقات مع أن المقصود تذكير ما وقع فيها من الحوادث قد مر سره مرارا فتذكر.
* (يا أبت) * أي يا أبي فإن التاء عوض من ياء الإضافة ولذلك لا يجمع بينهما إلا شذوذا كقوله: يا أبتي أرقني القذان، والجمع في يا أبتا قيل بين عوضين وهو جائز كجمع صاحب الجبيرة بين المسح والتيمم وهما عوضان عن الغسل وقيل المجموع فيه عوض، وقيل: الألف للإشباع وأنت تعلم حال العلل النحوية.
وقرأ ابن عامر. والأعرج. وأبو جعفر * (يا أبت) * بفتح التاء، وزعم هارون أن ذلك لحن والحق خلافه وفي مصحف عبد الله * (واأبت) * بوا بدل ياء والنداء بها في غير الندبة قليل، وناداه عليه السلام بذلك استعطافا له.
وأخرج أبو نعيم. والديلمي عن أنس مرفوعا حق الوالد على ولده أن لا يسميه إلا بماسمى إبراهيم عليه السلام به أباه يا أبت ولا يسميه باسمه، وهذا ظاهر في أنه كان أباه حقيقة، وصحح جمع أنه كان عمه وإطلاق الأب عليه مجاز * (لم تعبد ما لا يسمع) * ثناءك عليك عند عبادتك له وجؤارك إليه * (ولا يبصر) * خضوعك وخشوعك بين يديه أولا يسمع ولا يبصر شيئا من المسموعات والمبصرات فيدخل في ذلك ما ذكر دخولا أوليا، وما موصولة وجوزوا أن تكون نكرة موصوفة * (ولا يغنى) * أي لا يقدر على أن يغني * (عنك شيئا) *
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»