وأخرج جماعة من طرق عن ابن مسعود أنه قال: الغي نهر أو واد في جهنم من قيح بعيد القعر خبيث الطعم يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات، وحكى الكرماني أنه آبار في جهنم يسيل إليها الصديد والقيح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أن الغي السوء، ومن ذلك قول مرقش الأصغر: فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما وعن ابن زيد أنه الضلال وهو المعنى المشهور، وعليه قيل المراد جزاء غي. وروي ذلك عن الضحاك واختاره الزجاج، وقيل: المراد غيا عن طريق الجنة. وقرىء فيما حكى الأخفش * (يلقون) * بضم الياء وفتح اللام وشد القاف.
* (إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولائك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا) * * (إلا من تاب وءامن وعمل صالحا) * استثناء منقطع عند الزجاج. وقال في " البحر ": ظاهره الاتصال، وأيد بذكر الإيمان كون الآية في الكفرة أو عامة لهم ولغيرهم لأن من آمن لا يقال إلا لمن كان كافرا إلا بحسب التغليظ، وحمل الإيمان على الكامل خلاف الظاهر، وكذا كون المراد إلا من جمع التوبة والإيمان، وقيل: المراد من الإيمان الصلاة كما في قوله تعالى: * (وما كان الله ليضيع إيمانكم) * ويكون ذكره في مقابلة إضاعة الصلاة وذكر العمل الصالح في مقابلة اتباع الشهوات * (فأولائك) * المنعوتون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح * (يدخلون الجنة) * بموجب الوعد المحتوم، ولا يخفى ما في ترك التسويف مع ذكر أولئك من اللطف.
وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو. وأبو بكر. ويعقوب * (يدخلون) * بالبناء للمفعول من أدخل. وقرأ ابن غزوان عن طلحة " سيدخلون " بسين الاستقبال مبنيا للفاعل * (ولا يظلمون شيئا) * أي لا ينقصون من جزاء أعمالهم شيئا أو لا ينقصون شيئا من النقص، وفيه تنبيه على أن فعلهم السابق لا يضرهم ولا ينقص أجورهم. واستدل المعتزلة بالآية على أن العمل شرط دخول الجنة. وأجيب بأن المراد * (يدخلون الجنة) * بلا تسويف بقرينة المقابلة وذلك بتنزيل الزمان السابق على الدخول لحفظهم فيه عما ينال غيرهم منزلة العدم فيكون العمل شرطا لهذا الدخول لا للدخول مطلقا، وأيضا يجوز أن يكون شرطا لدخول جنة عدن لا مطلق الجنة، وقيل هو شرط لعدم نقص شيء من ثواب الأعمال وهو كما ترى، وقيل غير ذلك. واعترض بعضهم على القول بالشرطية بأنه يلزم أن لا يكون من تاب وآمن ولم يتمكن من العمل الصالح يدخل الجنة. وأجيب بأن ذلك من الصور النادرة والأحكام إنما تناط بالأعم الأغلب فتأمل.
* (جنات عدن التى وعد الرحمان عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا) * * (جنات عدن) * بدل من الجنة بدل البعض لاشتمالها عليها اشتمال الكل على الجزء بناء على ما قيل: إن * (جنات عدن) * علم لإحدى الجنات الثمان كعلمية - بنات أوبر -. وقيل: إن العلم هو جنة عدن إلا أنه أقيم الجزء الثاني بعد حذف الأول مقام المجموع كما في شهر رمضان فكان الأصل جنات جنة عدن. والذي حسن هذه الإقامة أن المعتبر علميته في المنقول الإضافي هو الجزء الثاني حتى كأنه نقل وحده كما قرر في موضعه من كتب النحو المفصلة. وفي " الكشف " إذا كانت التسمية بالمضاف والمضاف إليه جعلوا المضاف إليه في نحوه مقدر العلمية لأن المعهود في كلامهم في هذا الباب الإضافة إلى الأعلام والكنى فإذا أضافوا إلى غيرها أجروه مجراها كأبي تراب ألا ترى أنهم لا يجوزون إدخال اللام في ابن داية وأبي ترابي ويوجبونه في نحو امرىء