تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٣
ولعل ذكر ذلك بعد ذكر جعلهم أنبياء للإيذان بأن النبوة من باب الحرمة التي يختص بها من يشاء. وقال الكلبي: هي المالي والولد. وقيل: هو الكتاب والأظهر أنه عامة لكل خير ديني ودنيوي أوتوه مما لم يؤت أحد من العالمين * (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) * تفتخر بهم الناس ويثنون عليهم استجابة لدعوته عليه السلام بقوله: * (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) * وزيادة على ذلك. والمراد باللسان ما يوجد به من الكلام فهو مجاز بعلاقة السببية كاليد في العطية ولسان العرب لغتهم. ويطلق على الرسالة الرائعة كما في قول أعشى باهلة: إني أتتني لسان لا أسر بها ومنه قول الآخر: ندمت على لسان كان مني وإضافته إلى الصدق ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم وإن محامدهم لا تخفى كأنها نار على علم على تباعد الاعصار وتبدل الدول وتغير الملل والنحل ، وخص بعضهم لسان الصدق بما يتلى في التشهد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم والعموم أولى.
* (واذكر فى الكت‍ابموسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا) * * (واذكر في الكتاب موسى) * قيل قدم ذكره على إسمعيل عليهما السلام لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب عليه السلام. وقيل: تعجيل لاستجلال أهل الكتاب بعدما فيه استجلاب العرب.
* (إنه كان مخلصا) * موحدا أخلص عبادته عن الشرك والرياء أو أسلم وجهه لله عز وجل وأخلص عن سواه.
وقرأ الكوفيون. وأبو رزين. ويحيى. وقتادة * (مخلصا) * بفتح اللام على أن الله تعالى أخلصه * (وكان رسولا) * مرسلا من جهة الله تعالى إلى الخلق بتبليغ ما يشاء من الأحكام * (نبيا) * رفع القدر على كثير الرسل عليهم السلام أو على سائر الناس الذين أرسل إليهم فالنبي من النبوة بمعنى الرفعة. ويجوز أن يكون من النبأ وأصله نبىء أي المنبىء عن الله تعالى بالتوحيد والشرائع ورجح الأول بأنه أبلغ قيل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " لست بنبيء الله تعالى بالهمزة ولكن نبي الله تعالى " لمن خاطبه بالهمز وأراد أن يغض منه. والذي ذكره الجوهري أن القائل أراد أنه عليه الصلاة والسلام أخرجه قومه من نبأ فأجابه صلى الله عليه وسلم بما يدفع ذلك الاحتمال. ووجه الاتيان بالنبي بعد الرسول على الأول ظاهر ووجه ذلك على الثاني موافقة الواقع بناء على أن المراد أرسله الله تعالى إلى الخلق فأتبأهم عنه سبحانه.
واختار بعضهم أن المراد من كلا اللفظين معناهما اللغوي وأن ذكر النبي بعد الرسول لما أنه ليس كل مرسل نبيا لأنه قد يرسل بعطية أو مكتوب أو نحوهما.
* (ون‍ادين‍اه من جانب الطور الايمن وقربناه نجيا) * * (وناديناه من جانب الطور الأيمن) * الطور جبل بين مصر ومدين والأيمن صفة لجانب لقوله تعالى في آية أخرى: * (جانب الطور الأيمن) * بالنصب أي ناديناه من ناحيته اليمنى من اليمين المقابل لليسار. والمراد به يمين موسى عليه السلام أي الناحية التي تلي يمينه إذ الجبل نفسه لا ميمنة له ولا ميسرة. ويجوز أن يكون الأيمن من اليمن وهو البركة وهو صفة لجانب أيضا أي من جانبه الميمون المبارك.
وجوز على هذا أن يكون صفة للطور والأولى أولى، والمراد من ندائه من ذلك ظهور كلامه تعالى من تلك الجهة، والظاهر أنه عليه السلام إنما سمع الكلام اللفظي، وقال بعض: إن الذي سمعه كان بلا حرف ولا
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»