تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٢
محتاج بعد إلى كلام والله تعالى الموفق.
* (إنه كان بي حفيا) * بليغا في البر والإكرام يقال حفي به إذا اعتنى بإكرامه. والجملة تعليل لمضمون ما قبلها، وتقديم الظرف لرعاية الفواصل مع الاهتمام.
* (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربى عسىألا أكون بدعآء ربى شقيا) * * (وأعتزلكم) * الظاهر أنه عطف على * (سأستغفر) * والمراد أتباعد عنك وعن قومك * (وما تدعون من دون الله) * بالمهاجرة بديني حيث لم تؤثر فيكم نصائحي.
يروى أنه عليه السلام هاجر إلى الشام، وقيل إلى حران وهو قريب من ذلك وكانوا بأرض كوثا. وفي هجرته هذه تزوج سارة ولقي الجبار الذي أخدم سارة هاجر، وجوز حمل الاعتزال على الاعتزال بالقلب والاعتقاد وهو خلاف الظاهر المأثور * (وأدعوا ربي) * أي أعبده سبحانه وحده كما يفهم من اجتناب غيره تعالى من المعبودات وللتغاير بين العبادتين غوير بين العبارتين، وذكر بعضهم أنه عبر بالعبادة أولا لأن ذلك أوفق بقول أبيه * (أراغب أنت عن آلهتي) * (مريم: 46) مع قوله فيما سبق: * (يا أبت لم تعبد ما لا يسمع) * الخ، وعبر ثانيا بالدعاء لأنه أظهر في الاقبال المقابل للاعتزال.
وجوز أن يراد بذلك الدعاء مطلقا أو ما حكاه سبحانه في سورة الشعراء وهو قوله: * (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) * (الشعراء: 83) وقيل لا يبعد أن يراد استدعاء الولد أيضا بقوله: * (رب هب لي من الصالحين) * حسبما يساعده السياق والسباق * (عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا) * خائبا ضائع السعي. وفيه تعريض بشقاوتهم في عبادة آلهتهم. وفي تصدير الكلام بعسى من إظهار التواضع ومراعاة حسن الأدب والتنبيه على حقيقة الحق من أن الإثابة والإجابة بطريق التفضل منه عز وجل لا بطريق الوجوب وأن العبرة بالخاتمة وذلك الغيوب المختصة بالعليم الخبير ما لا يخفى.
* (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسح‍اق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا) * * (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله) * بالمهاجرة إلى ما تقدم * (وهبنا له إسح‍اق ويعقوب) * بدل من فارقهم من أبيه وقومه الكفرة لكن لا عقيب المهاجرة. والمشهور أن أول ما وهب له عليه السلام من الأولاد إسماعيل عليه السلام لقوله تعالى: * (فبشرناه بغلام حليم) * (الصافات: 101) بقوله: * (رب هب لي من الصالحين) * (الصافات: 100) وكان من هاجر فغارت سارة فحملت بإسحق عليه السلام فلما كبر ولد له يعقوب عليه السلام.
ولعل ترتيب هبتهما على اعتزاله ههنا لبيان كمال عظم النعم التي أعطاها الله تعالى إياه بمقابلة من اعتزلهم من الأهل والأقرباء فإنهما شجرتا الأنبياء ولهما أولاد وأحفاد أو لو شأن خطير وذوو عدد كثير مع أنه سبحانه أراد أن يذكر إسماعيل عليه السلام بفضله على الانفراد. وروى أنه عليه السلام لما قصد الشام أتى أولا حران وتزوج سارة وولدت له إسحق وولد لاسحق يعقوب. والأول هو الأقرب الأظهر * (وكلا) * أي كل واحد من إسحق ويعقوب أو منهما ومن إبراهيم عليه السلام وهو مفعول أول لقوله تعالى: * (جعلنا نبيا) * قدم عليه للتخصيص لكن لا بالنسبة إلى من عداهم بل بالنسبة إلى بعضهم أي كل واحد منهم * (جعلنا نبيا) * لا بعضهم دون بعض، ولا يظهر في هذا الترتيب على الوجه الثاني في * (كلا) * كون إبراهيم عليه السلام نبيا قبل الاعتزال.
* (ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا) * * (ووهبنا لهم من رحمتنا) * قال الحسن: النبوة.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»