تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٩٤
رأوه ثم ينادي مناد يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم: هذا الموت وكلهم قد رأوه فيذبح بين الجنة والنار ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ثم قرأ وأنذرهم " الآية.
وفي رواية عن ابن مسعود أن يوم الحسرة حين يرى الكفار مقاعدهم من الجنة لو كانوا مؤمنين، وقيل: حين يقال لهم وهم في النار * (اخسؤا فيها ولا تكلمون) * (المؤمنون: 108) وقيل: حين يقال * (امتازوا اليوم أيها المجرمون) * (يس: 59).
وقال الضحاك: ذلك إذا برزت جهنم ورمت بالشرر، وقيل: المراد بذلك يوم القيامة مطلقا، وروي ذلك عن ابن زيد وفيه حسرات في مواطن عديدة، ومن هنا قيل: المراد بالحسرة جنسها فيشمل ذلك حسرتهم فيما ذكر وحسرتهم عند أخذ الكتب بالشمائل وغير ذلك والمراد بقضاء الأمر الفراغ من أمر الدنيا بالكلية ويعتبر وقت ذلك ممتدا، وقيل: المراد بيوم الحسرة يوم القيامة كما روي عن ابن زيد إلا أن المراد بقضاء الأمر الفراغ مما يوجب الحسرة، وجوز ابن عطية أن يراد بيوم الحسرة ما يعم يوم الموت.
وأنت تعلم أن ظاهر الحديث السابق وكذا غيره كما لا يخفى على المتتبع قاض بأن يوم الحسرة يوم يذبح الموت وينادي بالخلود. ولعل التخصيص لما أن الحسرة يومئذ أعظم الحسرات لأنه هناك تنقطع الآمال وينسد باب الخلاص من الأهوال. ومن غريب ما قيل: إن المراد بقضاء الأمر سد باب التوبة حين تطلع الشمس من مغربها وليس بشيء، و * (إذ) * على سائر الأقوال بدل من * (يوم) * أو متعلق بالحسرة والمصدر المعرف يعمل بالمفعول الصريح عند بعضهم فكيف بالظرف، وقوله تعالى: * (وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) * قال الزمخشري: متعلق بقوله تعالى شأنه: * (في ضلال مبين) * عن الحسن، ووجه ذلك بأن الجملتين في موضع الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور أي مستقرون في ذلك وهم في تينك الحالتين، واستظهر في الكشف العطف على قوله تعالى: * (الظالمون في ضلال مبين) * (مريم: 38) أي هم في ضلال وهم في غفلة؛ وعلى الوجهين تكون جملة * (أنذرهم) * معترضة والواو اعتراضية، ووجه الاعتراض أن الإنذار مؤكد ما هم فيه من الغفلة والضلال، وجوز أن يكون ذلك متعلقا بأنذرهم على أنه حال من المفعول أي أنذرهم غافلين غير مؤمنين. وتعقب بأنه لا يلائم قوله تعالى: * (إنما أنت منذر من يخشاها) * (النازعات: 45) وقال في " الكشف ": أنه غير وارد لأن ذلك بالنسبة إلى النفع وهذا بالنسبة إلى تنبيه الغافل لبيان أن النفع في الآخرة وهذه وظيفة الأنبياء عليهم السلام عن آخرهم، ثم لو سلم لا مناقضة كما في قوله تعالى: * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * (الذاريات: 55) كيف وقد تكرر هذا المعنى في القرآن إلى قوله تعالى: * (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون) * (يس: 6) وأما إن قوله سبحانه: * (وهم لا يؤمنون) * نفي مؤكد يشتمل على الماضية والآتية فلا يسلم لو جعل حالا ولو سلم فقد علم جوابه مما سبق وما على الرسول إلا البلاغ.
نعم لا نمنع أن الوجه الأول أرجح وأشد طباقا للمقام، وحاصل المعنى على الأخير أنذرهم لأنهم في حالة يحتاجون فيها للإنذار.
* (إنا نحن نرث الارض ومن عليها وإلينا يرجعون) * * (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) * لا يبقى لأحد غيره تعالى ملك ولا ملك فيكون كل ذلك له تعالى استقلالا ظاهرا وباطنا دون ما سواه وينتقل إليه سبحانه انتقال الموروث من المورث إلى الوارث، وهذا كقوله تعالى: * (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) * (غافر: 16) أو نتوفى الأرض ومن عليها
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»