تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٤
صوت وأنه عليه السلام سمعه بجميع أعضائه من جميع الجهات وبذلك يتيقن أن المنادي هو الله تعالى، ومن هنا قيل: إن المراد ناديناه مقبلا من جانب الطور المبارك وهو طور ما وراء طور العقل، وفي الاخبار ما ينادي على خلافه * (وقربناه نجيا) * تقريب تشريف مثل حاله عليه السلام بحال من قربه الملك لمناجاته واصطفاه لمصاحبته ورفع الوسائط بينه وبينه، * (ونجيا) * فعيل بمعنى مفاعل كجليس بمعنى مجالس ونديم بمعنى منادم من المناجاة المسارة بالكلام ونصبه على الحالية من أحد ضميري موسى عليه السلام في ناديناه وقربناه أي ناديناه أو قربناه حال كونه مناجيا، وقال غير واحد، مرتفعا على أنه من النجو وهو الارتفاع.
فقد أخرج سعيد بن منصور. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أن جبرائيل عليه السلام أردفه حتى سمع صرير القلم والتوراة تكتب له أي كتابة ثانية وإلا ففي الحديث الصحيح الوارد في شأن محاجة آدم وموسى عليهما السلام أنها كتبت قبل خلق آدم عليه السلام بأربعين سنة، وخبر رفعه عليه السلام إلى السماء حتى سمع صرير القلم رواه غير واحد وصححه الحاكم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعلى ذلك لا يكون المعراج مطلقا مختصا بنبينا صلى الله عليه وسلم بل المعراج الأكمل، وقيل معنى * (نجيا) * بصدقه وروى ذلك عن قتادة ولا يخفى بعده.
* (ووهبنا له من رحمتنآ أخاه ه‍ارون نبيا) * * (ووهبنا له من رحمتنا) * أي من أجل رحمتنا له * (أخاه) * أي معاضدة أخيه وموازرته إجابة لدعوته بقوله واجعل لي وزيرا من أهلي هرون أخي) * لا نفسه عليه السلام لأنه كان أكبر من موسى عليه السلام سنا فوجوده سابق على وجوده وهو مفعول * (وهبنا) * وقوله تعالى: * (ه‍ارون) * عطف بيان له، وقوله سبحانه * (نبيا) * حال منه، ويجوز أن تكون من للتبعيض قيل وحينئذ يكون * (أخاه) * بدل بعض من كل أو كل من كل أو اشتمال من من، وتعقب بأنها إن كانت اسما مرادفة لبعض فهو خلاف الظاهر وإن كانت حرفا فإبدال الاسم من الحرم مما لم يوجد في كلامهم، وقيل: التقدير وهبنا له شيئا من رحمتنا فأخاه بدل من شيئا المقدر وأنت تعلم أن الظاهر هو كونه مفعولا * (واذكر فى الكت‍ابإسم‍اعيل إنه كان ص‍ادق الوعد وكان رسولا نبيا) *.
* (واذكر في الكتاب إسماعيل) * الظاهر أنه ابن إبراهيم عليهما السلام كما ذهب إليه الجمهور وهو الحق، وفصل ذكره عن ذكر أبيه وأخيه عليهم السلام لإبراز كمال الاعتناء بأمره بإيراده مستقلا، وقيل: إنه إسماعيل بن حزقيل بعثه الله تعالى إلى قومه فسلخوا جلدة رأسه فخيره الله تعالى فيما شاء من عذابهم فاستعفاه ورضي بثوابه سبحانه وفوض أمرهم إليه عز وجل في العفو والعقوبة وروى ذلك الإمامية عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه وغالب الظن أنه لا يصح عنه * (إنه كان صادق الوعد) * تعليل لموجب الأمر، وإيراده عليه السلام بهذا الوصف لكمال شهرته بذلك.
وقد جاء في بعض الاخبار أنه وعد رجلا أن يقيم له بمكان فغاب عنه حولا فلما جاءه قال له: ما برحت من مكانك فقال: لا والله ما كنت لأخلف موعدي، وقيل: غاب عنه اثني عشر يوما، وعن مقاتل ثلاثة أيام، وعن سهل بن سعد يوما وليلة والأول أشهر ورواه الإمامية أيضا عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه‍؛ وإذا كان هو الذبيح فناهيك في صدقه أنه وعد أباه الصبر على الذبح بقوله: * (ستجدني إن شاء الله من الصابرين) * فوفى.
وقال بعض الأذكياء طال بقاؤه: لا يبعد أن يكون ذلك إشارة إلى هذا الوعد والصدق فيه من أعظم ما يتصور.
* (وكان رسولا نبيا) * الكلام فيه كالكلام في السابق بيد أنهم قالوا هنا: إن فيه دلالة على أن الرسول لا يجب
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»