تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٩٥
بالإفناء والإهلاك توفي الوارث لإرثه واستيفائه إياه * (وإلينا يرجعون) * أي يردون إلى الجزاء لا إلى غيرنا استقلالا أو اشتراكا. وقرأ الأعرج * (ترجعون) * بالتاء الفوقية. وقرأ السلمي. وابن أبي إسحاق. وعيسى بالياء التحتية مبنيا للفاعل، وحكى عنهم الداني أنهم قرؤا بالتاء الفوقية والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (كهيعص) * (مريم: 1) هو وأمثاله على الصحيح سر من أسرار الله تعالى، وقيل في وجه افتتاح هذه السورة به: إن الكاف إشارة إلى الكافي الذي اقتضاه حال ضعف زكريا عليه السلام وشيخوخته وعجزه، والهاء إشارة إلى الهادي الذي اقتضاه عنايته سبحانه به وإراءة مطلوبه له، والياء إشارة إلى الواقي الذي اقتضاه حال خوفه من الموالي، والعين إشارة إلى العالم الذي اقتضاه إظهاره لعدم الأسباب، والصاد إشارة إلى الصادق الذي اقتضاه الوعد، والإشارة في القصتين إجمالا إلى أن الله تعالى شأنه يهب بسؤال وغير سؤال. وطبق بعض أهل التأويل ما فيهما على ما في الأنفس فتكلفوا وتعسفوا. وفي نذر الصوم والمراد به الصمت إشارة إلى ترك الانتصار للنفس فكأنه قيل لها عليها السلام: اسكتي ولا تنتصري فإن في كلامك وانتصارك لنفسك مشقة عليك وفي سكوتك أظهار ما لنا فيك من القدرة فلزمت الصمت فلما علم الله سبحانه صدق انقطاعها إليه أنطق جل وعلا عيسى عليه السلام ببراءتها، وذكر أنه عليه السلام طوى كل وصف جميل في مطاوي قوله: * (إني عبد الله) * وذلك لما قلوا من أنه لا يدعى أحد بعبد الله إلا إذا صار مظهرا لجميع الصفات الإلهية المشير إليها الاسم الجليل، وجعل على هذا قوله: * (آتاني الكتاب) * (مريم: 30) الخ كالتعليل لهذه الدعوى. وذكروا أن العبد مضافا إلى ضميره تعالى أبلغ مدحا مما ذكر وأن صاحب ذلك المقام هو نبينا صلى الله عليه وسلم، وكأن مرادهم أن العبد مضافا إلى ضميره سبحانه كذلك إذا لم يقرن بعلم كعبده زكريا وإلا فدعوى الاختصاص لا تتم فليتدبر.
وذكر ابن عطاء في قوله تعالى: * (ولم يجعلني جبارا شقيا) * (مريم: 32) إن الجبار الذي لا ينصح والشقي الذي لا ينتصح نعوذ بالله سبحانه من أن يجعلنا كذلك.
* (واذكر فى الكت‍ابإبراهيم إنه كان صديقا نبيا) * * (واذكر) * عطف على * (أنذرهم) * عند أبي السعود، وقيل: على اذكر السابق، ولعله الظاهر * (في الكتاب) * أي هذه السورة أو في القرآن * (إبراهيم) * أي اتل على الناس قصته كقوله تعالى: * (واتل عليهم نبأ إبراهيم) * وإلا فذاكر ذلك في الكتاب هو الله تعالى كما في " الكشاف ":، وفيه أنه عليه الصلاة والسلام لكونه الناطق عنه تعالى ومبلغ أوامره ونواهيه وأعظم مظاهره سبحانه ومجاليه كأنه الذاكر في الكتاب ما ذكره ربه جل وعلا ومناسبة هذه الآية لما قبلها اشتمالها على تضليل من نسب الألوهية إلى الجماد اشتمال ما قبلها على ما أشار إلى تضليل من نسبها إلى الحي والفريقان وإن اشتركا في الضلال إلا أن الفريق الثاني أضل.
ويقال على القول الأول في العطف: إن المراد أنذرهم ذلك واذكر لهم قصة إبراهيم عليه السلام فإنهم ينتمون إليه صلى الله عليه وسلم فعساهم باستماع قصته يقلعون عما هم فيه من القبائح * (إنه كان صديقا) * أي ملازم الصدق لم يذكب قط * (نبي) * استنبأه الله تعالى وهو خبر آخر لكان مقيد للأول مخصص له أي كان جامعا بين الوصفين.
ولعل هذا الترتيب للمبالغة في الاحتراز عن توهم تخصيص الصديقية بالنبوة فإن كل نبي صديق، وقيل: الصديق من صدق بقوله واعتقاده وحقق صدقه بفعله، وفي " الكشاف " الصديق من أبنية المبالغة والمراد فرط
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»