تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٩٣
والقتل والصلب وقع على الناسوت واللاهوت معا، وقد قدمنا من أمر النصارى ما فيه كفاية فليتذكر، وقيل المراد بهم المسلمون واليهود والنصارى.
وعن الحسن أنهم الذين تحزبوا على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما قص عليهم قصة عيسى عليه السلام اختلفوا فيه من بين الناس، قيل: إنهم مطلق الكفار فيشمل اليهود والنصارى والمشركين الذين كانوا في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم وغيرهم؛ ورجحه الإمام بأنه لا مخصص فيه، ورجح القول بأنهم أهل الكتاب بأن ذكر الاختلاف عقيب قصة عيسى عليه السلام يقتضي ذلك، ويؤيده قوله تعالى: * (فويل للذين كفروا) * فالمراد بهم الأحزاب المختلفون، وعبر عنهم بذلك إيذانا بكفرهم جميعا وإشعارا بعلة الحكم، وإذا قيل بدخول المسلمين أو الملكانية وقيل: إنهم قالوا بأنه عليه السلام عبد الله ونبيه. في الأحزاب، فالمراد من الذين كفروا بعض الأحزاب أي فويل للذين كفروا منهم * (من مشهد يوم عظيم) * أي من مشهود يوم عظيم الهول والحساب والجزاء وهو يوم القيامة أو من وقت شهوده أو مكان الشهود فيه أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وهو أن تشهد الملائكة والأنبياء عليهم السلام عليهم وألسنتهم وسائر جوارحهم بالكفر والفسوق أو من وقت الشهادة أو من مكانها.
وقيل: هو ما شهدوا به في حق عيسى عليه السلام وأمه وعظمه لعظم ما فيه أيضا كقوله تعالى: * (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) * (الكهف: 5). وقيل هو يوم قتل المؤمنين حين اختلف الأحزاب وهو كما ترى. والحق أن المراد بذلك اليوم يوم القيامة.
* (أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ل‍اكن الظ‍المون اليوم فى ضل‍ال مبين) * * (أسمع بهم وأبصر) * تعجيب من حدة سمعهم وأبصارهم يومئذ. ومعناه أن أسماعهم وأبصارهم * (يوم يأتوننا) * للحساب والجزاء أي يوم القيامة جدير بأن يتعجب منهما بعد أن كانوا في الدنيا صما وعميا.
وروي ذلك عن الحسن. وقتادة. وقال علي بن عيسى: هو وعيد وتهديد أي سوف يسمعون ما يخلع قلوبهم ويبصرون ما يسود وجوههم. وعن أبي العالية أنه أمر حقيقة للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يسمعهم ويبصرهم مواعيد ذلك اليوم وما يحيق بهم فيه. والجار والمجرور على الأولين في موضع الرفع على القول المشهور. وعلى الأخير في محل نصب لأن * (أسمع) * أمر حقيقي وفاعله مستتر وجوبا. وقيل: في التعجب أيضا إنه كذلك. والفاعل ضمير المصدر * (ل‍اكن الظالمون اليوم) * أي في الدنيا * (في ضلال مبين) * لا يدرك غايته حيث اغفلوا الاستماع والنظر بالكلية. ووضع * (الظالمين) * موضع الضمير للإيذان بأنهم في ذلك ظالمون لأنفسهم.
والاستدراك على ما نقل عن أبي العالية يتعلق بقوله تعالى: * (فويل للذين كفروا) *.
* (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الامر وهم فى غفلة وهم لا يؤمنون) * * (وأنذرهم) * أي الظالمين على ما هو الظاهر. وقال أبو حيان: الضمير لجميع الناس أي خوفهم * (يوم الحسرة) * يوم يتحسر الظالمون على ما فرطوا في جنب الله تعالى. وقيل: الناس قاطبة، وتحسر المحسنين على قلة إحسانهم * (إذ قضي الأمر) * أي فرغ من الحساب وذهب أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار وذبح الموت ونودي كل من الفريقين بالخلود.
وعن السدي. وابن جريج الاقتصار على ذبح الموت، وكان ذلك لما روى الشيخان. والترمذي.
عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»