تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١١٤
ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت * (وما نتنزل إلا بأمر ربك) * (مريم: 64) لجواز أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك في أثناء محاورته السابقة أيضا واقتصر في كل رواية على شيء مما وقع في المحاورة، وقيل: يجوز أن يكون النزول متكررا نعم ما ذكر في التوجيه إنما يحسن على بعض الروايات السابقة في المراد بالخلف الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات.
وقال بعضهم: إن التقدير هذا، وقال جبريل: وما نتنزل الخ وبه يظهر حسن العطف ووجهه انتهى وتعقب بأنه لا محصل له. وحكى النقاش عن قوم أن الآية متصلة بقول جبريل عليه السلام أولا * (إنما أن رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا) * وهو قول نازل عن درجة القبول جدا، والتنزل النزول على مهل لأنه مطاوع نزل يقال نزلته فتنزل، وقد يطلق بمعنى النزول مطلقا كما يطلق نزل بمعنى أنزل، وعلى ذلك قوله: نلست لإنسى ولكن لملأك * تنزل من جو السماء يصوب إذ لا أثر للتدرج في مقصود الشاعر، والمعنى ما نتنزل وقتا غب وقت إلا بأمر الله تعالى على ما تقتضيه حكمته سبحانه، وقرأ الأعرج دوما يتنزل) * بالياء والضمير للوحي بقرينة الحال، وسبب النزول والكلام لجبريل عليه السلام، وقيل: إن الضمير له عليه السلام والكلام له عز وجل أخبر سبحانه أنه لا يتنزل جبريل إلا بأمره تعالى قائلا: * (له ما بين أيدينا) * ما قدامنا من الزمان المستقبل * (وما خلفنا) * من الزمان الماضي * (وما بين ذالك) * المذكور من الزمان الحال فلا ننزل في زمان دون زمان إلا بأمره سبحانه ومشيئته عز وجل، وقال ابن جريج: ما بين الأيدي هو ما مر من الزمان قبل الإيجاد وما خلف هو ما بعد موتهم إلى استمرار الآخرة وما بين ذلك هو مذة الحياة، وقال أبو العالية: ما بين الأيدي الدنيا بأسرها إلى النفخة الأولى وما خلف ذلك الآخرة من وقت البعث وما بين ذلك ما بين النفختين وهو أربعون سنة، وفي كتاب التحرير والتحبير ما بين الأيدي الآخرة وما خلف الدنيا ورواه العوفي عن ابن عباس وبه قال ابن جبير. وقتادة ومقاتل. وسفيان، وقال الأخفش: ما بين الأيدي هو ما قبل الخلق وما خلف هو ما بعد الفناء وما بين ذلك ما بين الدنيا والآخرة فلما آت على هذه الأقوال من الزمان.
وقال صاحب الفنيان: ما بين أيدينا السماء وما خلفنا الأرض وما بين ذلك ما بين الأرض والسماء، وقيل: ما بين الأيدي الأرض وما خلف السماء وقيل: ما بين الأيدي المكان الذي ينتقلون إليه وما خلف المكان الذي ينتقلون منه وما بين ذلك المكان الذي هم فيه فالما آت من الأمكنة، واختار بعضهم تفسيرها بما يعم الزمان والمكان، والمراد أنه تعالى المالك لكل ذلك فلا ننتقل من مكان إلى مكان ولا ننزل في زمان دون زمان إلا بإذنه عز وجل.
وقال البغوي: المراد له علم ما بين أيدينا الخ أي فلا نقدم على ما لم يكن موافق حكمته سبحانه وتعالى:
واختار بعضهم التعميم أي له سبحانه ذلك ملكا وعلما * (وما كان ربك نسيا) * أي تاركا أنبياءه عليهم السلام ويدخل صلى الله عليه وسلم في ذلك دخولا أوليا أي ما كان عدم النزول إلا لعدم الأمر به ولم يكن عن ترك الله تعالى لك وتوديعه إياك كما زعمت الكفرة وإنما كان لحكمة بالغة، وقيل: النسيان على ظاهره يعني أنه سبحانه لاحاطة علمه وملكه لا يطرأ عليه الغفلة والنسيان حتى يغفل عنك وعن الإيحاء إليك وإنما كان تأخير الإيحاء لحكمة علمها جلشأنه، واختير الأول لأن هذا المعنى لا يجوز عليه سبحانه فلا حاجة إلى نفيه عنه عز وجل مع
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»