تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٠٨
* (وإسرائيل) * عطف على * (إبراهيم) * أي ومن ذرية إسرائيل أي يعقوب عليه السلام وكان منهم موسى وهارون وزكريا. ويحيى. وعيسى. عليهم السلام، وفي الآية دليل على أن أولاد البنات من الذرية لدخول عيسى عليه السلام ولا أب له، وجعل إطلاق الذرية عليه بطريق التغليب خلاف الظاهر * (وممن هدينا واجتبينا) * عطف على قوله تعالى: * (من ذرية آدم) * ومن للتبعيض أي ومن جملة من هديناهم إلى الحق واخترناهم للنبوة والكرامة.
وجوز أن يكون عطفا على قوله سبحانه: * (من النبيين) *. ومن للبيان وأورد عليه أن ظاهر العطف المغايرة فيحتاج إلى أن يقال: المراد ممن جمعنا له بين النبوة والهداية والاجتباء للكرامة وهو خلاف الظاهر، وقوله تعالى: * (إذا تتلى عليهن ءايات الرحم‍ان خروا سجدا وبكيا) * استئناف مساق لبيان خشيتهم من الله تعالى وإخباتهم له سبحانه مع ما لهم من علو الرتبة وسمو الطبقة في شرف النسب وكمال النفس والزلفى من الله عز سلطانه.
وقيل: خبر بعد خبر لاسم ازشارة، وقيل: إن الكلام انقطع عند قوله تعالى: * (وإسرائيل) *، وقوله سبحانه: * (وممن هدينا) * خبر مبتدأ محذوف وهذه الجملة صفة لذلك المحذوف أي وممن هدينا واجتبينا قوم إذا تتلى عليهم الخ، ونقل ذلك عن أبي مسلم، وروى بعض الإمامية عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما أنه قال: نحن عنينا بهؤلاء القوم، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر جدا وحال روايات الإمامية لا يخفى على أرباب التمييز، وظاهر صنيع بعض المحققين اختيار أن يكون الموصول صفة لاسم الإشارة على ما هو الشائع فيما بعد اسم الإشارة وهذه الجملة هي الخبر لأن ذلك امدح لهم، ووجه ذلك ظاهر عند من يعرف حكم الأوصاف والأخبار، وسجدا جمع ساجد وكذا بكيا جمع باك كشاهد وشهود وأصله بكوى اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وحركت الكاف بالكسر لمناسبة الياء وجمعه المقيس بكاة كرام ورماة إلا أنه لم يسمع على ما في " البحر " وهو مخالف لما في " القاموس " وغيره، وجوز بعضهم أن يكون مصدر بكى كجلوسا مصدر جلس وهو خلاف الظاهر، نعم ربما يقتضيه ما أخرجه ابن أبي الدنيا في البكاء. وابن جرير. وابن أبي حاتم. والبيهقي في الشعب عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال: هذا السجود فأين البكى، وزعم ابن عطية أن ذلك متعين في قراءة عبد الله. ويحيى. والأعمش. وحمزة. والكسائي * (بكيا) * بكسر أوله وليس كما زعم لأن ذلك اتباع، وظاهر أنه لا يعين المصدرية. ونصب الاسمين على الحالية من ضمير * (خروا) * أي ساجدين وباكين والأول حال مقدرة كما قال الزجاج، والظاهر أن المراد من السجود معناه الشرعي والمراد من الآيات ما تضمنته الكتب السماوية سواء كان مشتملا على ذكر السجود أم لا وسواء كان متضمنا لذكر العذاب المنزل بالكفار أم لا، ومن هنا استدل بالآية على استحباب السجود والبكاء عند تلاوة القرآن.
وقد أخرج ابن ماجه. وإسحاق بن راهويه. والبزار في مسنديهما من حديث سعيد بن أبي وقاص مرفوعا أتلوا القرآن وأبكوا فإن لم تبكوا فتباكوا، وقيل: المراد من السجود سجود التلاوة حسبما تعبدنا به عند سماع بعض الآيات القرآنية فالمراد بآيات الرحمن آيات مخصوصة متضمنة لذكر السجود، وقيل: المراد منه الصلاة وهو قول ساقط جدا، وقيل: المراد منه الخشوع والخضوع، والمراد من الآيات ما تضمن العذاب المنزل بالكفار وهذا قريب من سابقه، ونقل الجلال السيوطي عن الرازي أنه استدل بالآية على وجوب سجود التلاوة وهو كما قال الكيا: بعيد، وذكروا أنه ينبغي أن يدعو الساجد في سجدته بما يليق بآياتها فههنا يقول: اللهم
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»