تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٧٩
تكون سبب الهلاك، ومن هنا كان كشف سجف الجمال للسالكين على سبيل التدريج * (فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه) * (يوسف: 70) قيل: إن الله تعالى أمره بذلك ليكون شريكا لإخوته في الإيذاء بحسب الظاهر فلا يخجلوا بين يديه إذا كشف الأمر، وحيث طلب قلب بنيامين برؤية يوسف احتمل الملامة، وكيف لا يحتمل ذلك وبلاء العالم محمول بلمحة رؤية المعشوق، والعاشق الصادق يؤثر الملامة ممن كانت في هوى محبوبه. أجد الملامة في هواك لذيذة * حبا لذكرك فليلمني اللوم وفي الآية - على ما قيل - إشارة لطيفة إلى أن من اصطفاه الله تعالى في الأزل لمحبته ومشاهدته وضع في رحله صاع ملامة الثقلين، ألا ترى إلى ما فعل بآدم عليه السلام صفيه كيف اصطفاه ثم عرض عليه الأمانة التي لم يحملها السموات والأرض والجبال وأشفقن منها فحملها ثم هيج شهوته إلى حبة حنطة ثم نادى عليه بلسان الأزل * (وعصى آدم ربه فغوى) * (طه: 121) وذلك لغاية حبه له حتى صرفه عن الكون وما فيه ومن فيه إليه ولولا أن كشف جماله له لم يتحمل بلاء الملامة، وهذا كما فعل يوسف عليه السلام بأخيه آواه إليه وكشف جماله له وخاطبه بما خاطبه ثم جعل السقاية في رحله ثم نادى عليه بالسرقة ليبقيه معه * (نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم) * (يوسف: 76) أي نرفع درجاتهم في العلم فلا يزال السالكون يترقون في العلم وتشرب أطيار أرواحهم القدسية من بحار علومه تعالى على مقادير حواصلها، وتنتهي الدرجات بعلم الله تعالى فإن علوم الخلق محدودة وعلمه تعالى غير محدود وإلى الله تعالى تصير الأمور * (قالوا أن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) * (يوسف: 77) قال بعض السادات: لما كان بينامين بريئا مما رمى به من السرقة أنطقهم الله تعالى حتى رموا يوسف عليه السلام بالسرقة وهو برىء منها فكان ذلك من قبيل واحدة بواحدة ليعلم العالمون أن الجزاء واجب.
وقال بعض العارفين: إنهم صدقوا بنسبة السرقة إلى يوسف عليه السلام ولكنها سرقة الباب العاشقين وأفئدة المحبين بما أودع فيه من محاسن الأزل * (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده) * (يوسف: 9،) الإشارة في ذلك من الحق عز وجل أن لا نفشي أسرارنا وندني إلى حضرتنا إلا من كان في قلبه استعداد قبول معرفتنا أو لا نختار لكشف جمالنا إلا من كان في قلبه شوق إلى وصالنا، وقال بعض الخراسانيين: الإشارة فيه أنا لا نأخذ من عبادنا أشد أخذ إلا من ادعى فينا أو أخبر عنا ما لم يكن له الإخبار عنه والادعاء فيه، وقال بعضهم: إلا من مد يده إلى ما لنا وادعاه لنفسه، وقال أبو عثمان: الإشارة أنا لا نتخذ من عبادنا وليا إلا من ائتمناه على ودائعنا فحفظها ولم يخن فيها، ولطيفة الواقعة أنه عليه السلام لم يرض أن يأخذ بدل حبيبه إذ ليس للحبيب بديل في شرع المحبة. أبى القلب إلا حب ليلى فبغضت * إلى نساء ما لهن ذنوب * (إن ابنك سرق) * (يوسف: 81) قال بعضهم: إنهم صدقوا بذلك لكنه سرق أسرار يوسف عليه السلام حين سمع منه في الخلوة ما سمع ولم يبده لهم * (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم) * (يوسف: 83) كأنه عليه السلام لما رأى اشتداد البلاء قوي رجاؤه بالفرج فقال ما قال: اشتدى أزمة تنفرجي * قد آذن ليلك بالبلج وكان لسان حاله يقول.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»