تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٧٨
وقت المراودة * (ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس) * (يوسف: 38) قال أبو علي: أحسن الناس حالا من رأى نفسه تحت ظل الفضل والمنة لا تحت ظل العمل والسعي * (يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * (يوسف: 39) دعاء إلى التوحيد على أتم وجه، وحكي أن رجلا قال للفضيل: عظني فقرأ له هذه الآية * (وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك) * (يوسف: 42) كان ذلك على ما قيل غفلة منه عليه السلام عما يقتضيه مقامه ويشير إليه كلامه، ولهذا أدبه ربه باللبث في السجن ليبلغ أقصى درجات الكمال والأنبياء مؤاخذون بمثاقيل الذر لمكانتهم عند ربهم، وقد يحمل كلامه هذا على ما لا يوجب العتاب كما ذهب إليه بعض ذوي الألباب * (يوسف أيها الصديق) * (يوسف: 46) قال أبو حفص: الصديق من لا يتغير عليه باطن أمره من ظاهره، وقيل: الذي لا يخالف قاله حاله، وقيل: الذي يبذل الكونين في رضا محبوبه * (وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي) * (يوسف: 53) إشارة إلى أن النفس بطبعها كثيرة الميل إلى الشهوات؛ قال أبو حفص: النفس ظلمة كلها وسراجها التوفيق فمن لم يصحبه التوفيق كان في ظلمة، وقد تخفى دسائس النفس إلى حيث تأمر بخير وتضمر فيه شرا ولا يفطن لدسائسها إلا لوذعي: فخالف النفس والشيطان واعصمها * وإن هما محضاك النصح فاتهم وذكر بعض السادة أن النفس تترقى بواسطة المجاهدة والرياضة من مرتبة كونها أمارة إلى مرتبة أخرى من كونها لوامة وراضية ومرضية ومطمئنة وغير ذلك وجعلوا لها في كل مرتبة ذكرا مخصوصا وأطنبوا في ذلك فيرجع إليه * (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) * (يوسف: 55) قيل: خزائن الأرض رجالها أي اجعلني عليهم أمينا فإني حفيظ لما يظهرونه، عليم بما يضمرونه، وقيل: أراد الظاهر إلا أنه أشار إلى أنه متمكن من التصرف مع عدم الغفلة أي حفيظ للأنفاس بالذكر وللخواطر بالفكر، عليم بسواكن الغيوب وخفايا الأسرار * (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون) * قال بعضهم: لما جفوه صار جفاؤهم حجابا بينهم وبين معرفتهم إياه وكذلك المعاصي تكون حجابا على وجه معرفة الله تعالى * (قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم) * (يوسف: 59) كأنه عليه السلام أمر بذلك ليكمل لأبيه عليه السلام مقام الحزن الذي هو كما قال الشيخ الأكبر قدس سره: من أعلى المقامات، وقال بعضهم: إن علاقة المحبة كانت بين يوسف ويعقوب عليهما السلام من الجانبين فتعلق أحدهما بالآخر كتعلق الآخر به كما يرى ذلك في بعض العشاق مع من يعشقونه وأنشدوا:
لم يكن المجنون في حالة * إلا وقد كنت كما كانا لكنه باح بسر الهوى * وإنني قد ذبت كتمانا فغار عليه السلام أن ينظر أبوه إلى أخيه نظره إليه فيكونا شركين في ذلك والمحب غيور فطلب أن يأتوه به لذلك، والحق أن الأمر كان عن وحي لحكمة غير هذه * (وإنه لذو علم لما علمناه) * (يوسف: 68) إشارة إلى العلم اللدني وهو على نوعين. ظاهر الغيب وهو علم دقائق المعاملات والمقامات والحالات والكرامات والفراسات، وباطن الغيب وهو علم بطون الأفعال ويسمى حكمة المعرفة، وعلم الصفات ويسمى المعرفة الخاصة، وعلم الذات ويسمى التوحيد والتفريد والتجريد، وعلم أسرار القدم ويسمى علم الفناء والبقاء، وفي الأولين للروح مجال وفي الثالث للسر والرابع لسر السر، وفي المقام تفصيل وبسط يطلب من محله. * (ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه) * (يوسف: 69) كأنه عليه السلام إنما فعل ذلك ليعرفه الحال بالتدريج حتى يتحمل أثقال السرور إذ المفاجأة في مثل ذلك ربما
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»