تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٧٥
على آدم عليه السلام وهو مجلي الحق للخلق لو يعلمون فلما رأت الملائكة ما رأت من آدم سجدوا له وههنا سجد ليوسف من سجد وهم الشمس والقمر والكواكب المعدودة المشار بهم إلى أبويه وإخوته الذين هم على القول بنبوتهم خير من الملائكة عليهم السلام، ولا بدع إذ سجدوا لمن يتلألأ من وجهه الأنوار القدسية والأشعة السبوحية.
لو يسمعون كما سمعت حديثها * خروا لعزة ركعا وسجودا وقد يقال: إن إبراهيم عليه السلام لما رأى في وجنة الكوكب ونقطة خال القمر وأسرة جبين الشمس أمارات الحدثان وصرف وجهه عنها متوجها إلى ساحة القدم المنزهة عن التغير المصونة عما يوجب النقص قائلا: * (إني برىء مما تشركون) * (الأنعام: 78) أسجد الله تعالى الشمس والقمر واسجد بدل الكواكب كواكب لبعض بنيه إعظاما لأمره ومبالغة في تنزيه جلال الكبرياء، وحيث تأخرت البراءة إلى الثالث تأخر أمر الإسجاد إلى ثالث البنين، وليس المقصود من هذا إلا بيان بعض من أسرار تخصيص المذكور بالإراءة مع احتمال أن يكون هناك ما يصلح أن يكون رؤياه ساجدا معبرا بسجود أبويه وإخوته له عليهم السلام في عالم الحس فتدبر.
* (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك) * فيه إشارة إلى بعض آداب المريدين؛ فقد قالوا: إنه لا ينبغي لهم أن يفشوا سر المكاشفة إلا لشيوخهم وإلا يقعوا في ورطة ويكونوا مرتهنين بعيون الغيرة. بالسر إن باحوا تباح دماؤهم * وكذا دماء البائحين تباح * (فيكيدوا لك كيدا) * (يوسف: 5) هذا من الإلهامات المجملة وهي إنذارات وبشارات، ويجوز أن يكون علم عليه السلام ذلك من الرؤيا؛ قال بعضهم: إن يعقوب دبر ليوسف عليهما السلام في ذلك الوقت خوفا عليه فوكل إلى تدبيره فوقع به ما وقع ولو ترك التدبير ورجع إلى التسليم لحفظ * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (يوسف: 7) وذلك كسواطع نور الحق من وجهه وظهور علم الغيب من قلبه ومزيد الكرم من أفعاله وحسن عقبى الصبر من عاقبته، وكسوء حال الحاسد وعدم نقض ما أبرمه الله تعالى وغير ذلك، وقال بعضهم: إن من الآيات في يوسف عليه السلام أنه حجة على كل من حسن الله تعالى خلقه أن لا يشوهه بمعصيته ومن لم يراع نعمة الله تعالى فعصى كان أشبه شيء بالكنيف المبيض والروث المفضض.
وقال ابن عطاء: من الآيات أن لا يسمع هذه القصة محزون مؤمن بها إلا استروح وتسري عنه ما فيه، * (وجاؤا أباهم عشاءا يبكون) * (يوسف: 16) قيل: إن ذلك كان بكاء فرح بظفرهم بمقصودهم لكنهم أظهروا أنه بكاء حزن على فقد يوسف عليه السلام، وقيل: لم يكن بكاء حقيقة وإنما هو تباك من غير عبرة؛ وجاؤا عشاء ليكونوا أجرأ في الظلمة على الاعتذار أو ليدلسوا على أبيهم ويوهموه أن ذلك بكاء حقيقة لا تباك فإنهم لو جاؤا ضحى لافتضحوا. إذا اشتبكت دموع في خدود * تبين من بكى ممن تباكى * (فصبر جميل) * (يوسف: 18) وهو السكون إلى موارد القضاء سرا وعلنا، وقال يحيى بن معاذ: الصبر الجميل أن يتلقى البلاء بقلب رحيب ووجه مستبشر، وقال الترمذي: هو أن يلقي العبد عنانه إلى مولاه ويسلم إليه نفسه مع حقيقة المعرفة فإذا جاء حكم من أحكامه ثبت له مسلما ولا يظهر لوروده جزعا ولا يرى لذلك مغتما، وأنشد الشبلي في حقيقة الصبر.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»