تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٦٨
بعضهم أن الآية نزلت في سجاح بنت المنذر المنبئة التي يقول فيها الشاعر: أمست نبيتنا أنثى نطوف بها * ولم تزل أنبياء الله ذكرانا فلعنة الله والاقوام كلهم * على سجاح ومن بالافك أغرانا أعني مسيلمة الكذاب لاسقيت * اصداؤه ماء مزن أينما كانا وهو مما لا صحة له لأن ادعاءها النبوة كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكونه اخبارا بالغيب لا قرينة عليه * (نوحى إليهم) * كما أوحينا إليك. وقرأ أكثر السبعة * (يوحى) * بالياء وفتح الحاء مبنيا للمفعول، وقراءة النون وهي قراءة حفص. وطلحة. وأبي عبد الرحمن موافقة لأرسلنا * (من أهل القرى) * لأن أهلها كما قال ابن زيد. وغيره: وهو مما لا شبهة فيه أعلم وأحلم من أهل البادية ولذا يقال: لأهل البادية أهل الجفاء، وذكروا ان التبدي مكروه إلا في الفتن، وفي الحديث " من بدا جفا " قال قتادة: ما نعلم أن الله تعالى أرسل رسولا قط إلا من أهل القرى، ونقل عن الحسن أنه قال: لم يبعث رسول من أهل البادية ولا من النساء ولا من الجن، وقوله تعالى: * (وجاء بكم من البدو) * (يوسف: 100) قد مر الكلام فيه آنفا.
* (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * من المكذبين بالرسل والآيات من قوم نوح، وقوم لوط. وقوم صالح وسائر من عذبه الله تعالى فيحذروا تكذيبك وروى هذا عن الحسن، وجوز أن يكون المراد عاقبة الذين من قبلهم من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها فيقلعوا ويكفوا عن حبها وكأنه لاحظ المجوز ما سيذكر، والاستفهام على ما في البحر للتقريع والتوبيخ * (ولدار الآخرة) * من إضافة الصفة إلى الموصوف عند الكوفية أي ولا الدار الآخرة وقدر البصرى موصوفا أي ولدار الحال أو الساعة أو الحياة الآخرة وهو المختار عند الكثير في مثل ذلك * (خير للذين اتقوا) * الشرك والمعاصي: * (فلا تعقلون) * فتستعملوا عقولكم لتعرفوا خيرية دار الآخرة فتتوسلوا إليها بالاتقاء، قيل: إن هذا من مقول * (قل) * أي قل لهم مخاطبا أفلا تعقلون فالخطاب على ظاهره، وقوله سبحانه: * (وما أرسلنا من قبلك) * إلى * (من قبلهم) * أو * (اتقوا) * اعتراض بين مقول القول، واستظهر بعضهم كون هذا التفاتا. وقرأ جماعة * (يعقلون) * بالياء رعيا لقوله سبحانه: * (أفلم يسيروا) *.
* (حتى إذا استي‍اس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جآءهم نصرنا فنجى من نشآء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) * .
* (حتى إذا استيئس الرسل) * غاية لمحذوف دل عليه السباق والتقدير عند بعضهم لا يغرنهم تماديهم فيما هم فيه من الدعة والرخاء فإن من قبلهم قد أمهلوا حتى يئس الرسل من النصر عليهم في الدنيا أو من إيمانهم لانهماكهم في الكفر وتماديهم في الطغيان من غير وازع، وقال أبو الفرج بن الجوزي: التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فدعوا قومهم فكذبوهم وصبروا وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم حتى إذا استيأس الخ، وقال القرطبي: التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ثم لم نعاقب أممهم حتى إذا استيأس الخ، وقال الزمخشري: التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فتراخى النصر حتى إذا الخ، ولعل الأول أولى وإن كان فيه كثرة حذف، والاستفعال بمعنى المجرد كما أشرنا
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»