تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٨٣
يعقوب عليهما السلام لأن يعقوب كان أشد حبا لهم فعاتبهم بالتأخير ويوسف لم يرهم أهلا للعتاب فتجاوز عنهم من أول وهلة أو اكتفى بما أصابهم من الخجل وكان خجلهم منه أقوى من خجلهم من أبيهم، وفي المثل كفى للمقصر حياء يوم اللقاء * (فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه) * (يوسف: 99) لأنهما ذاقا طعم مرارة الفراق فخصهما من بينهم بمزيد الدنو يوم التلاق، ومن هنا يتبين أين منازل العاشقين يوم الوصال * (وخروا له سجدا) * (يوسف: 100) حيث بان لهم أنواع جلال الله تعالى في مرآة وجهه عليه السلام وعاينوا ما عاينت الملائكة عليهم السلام من آدم عليه السلام حين وقعوا له ساجدين، وما هو إذا ذاك إلا كعبة الله تعالى التي فيها آيات بينات مقام إبراهيم * (رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما) * مفوضا إليك شأني كله بحيث لا يكون لي رجوع إلى نفسي ولا إلى سبب من الأسباب بحال من الأحوال * (وألحقني بالصالحين) * (يوسف: 101) بمن أصلحتهم لحضرتك وأسقطت عنهم سمات الخلق وأزلت عنهم رعونات الطبع، ولا يخفى ما في تقديمه عليه السلام الثناء على الدعاء من الأدب وهو الذي يقتضيه المقام * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * (يوسف: 106) قال غير واحد من الصوفية: من التفت إلى غير الله تعالى فهو مشرك، وقال قائلهم: ولو خطرت لي في سواك إرادة * على خاطري سهوا حكمت بردتي * (قل هذه سبيل ادعو إلى الله على بصيرة) * بيان من الله تعالى وعلم لا معارضة للنفس والشيطان فيه * (أنا ومن اتبعني) * (يوسف: 108) وذكر بعض العارفين أن البصيرة أعلى من النور لأنها لا تصح لأحد وهو رقيق الميل إلى السوي، وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي للداعي إلى الله تعالى أن يكون عارفا بطريق الإيصال إليه سبحانه عالما بما يجب له تعالى وما يجوز وما يمتنع عليه جل شأنه، والدعاة إلى الله تعالى اليوم من هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم إلى الإرشاد بزعمهم أجهل من حمار الحكيم توما، وهم لعمري في ضلالة مدلهمة ومهامه يحار فيها الخريت وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ولبئس ما كانوا يصنعون * (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) * (يوسف: 111) وهم ذوو الأحوال من العارفين والعاشقين والصابرين والصادقين وغيرهم، وفيها أيضا عبرة للملوك في بسط العدل كما فعل يوسف عليه السلام، ولأه ل التقوى في ترك ما تراودهم النفس الشهوانية عليه، وللمماليك في حفظ حرم السادة، ولا أحد أغير من الله تعالى ولذلك حرم الفواحش، وللقادرين في العفو عمن أساء إليهم ولغيرهم في غير ذلك ولكن أين المعتبرون؟ أشباح ولا أرواح وديار ولا ديار فإنا لله وإنا إليه راجعون هذا.
وقد أول بعض الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم يوسف بالقلب المستعد الذي هو في غاية الحسن، ويعقوب بالعقل والإخوة بني العلات بالحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والقوة الشهوانية، وبنيامين بالقوة العاقلة العملية، وراحيل أم يوسف بالنفس اللوامة، وليا بالنفس الأمارة، والجب بقعر الطبيعة البدنية، والقميص الذي ألبسه يوسف في الجب بصفة الاستعداد الأصلي والنور الفطري، والذئب بالقوة الغضبية، والدم الكذب بأثرها، وابيضاض عين يعقوب بكلال البصيرة وفقدان نور العقل، وشراؤه من عزيز مصر بثمن بخس بتسليم الطبيعة له إلى عزيز الروح الذي في مصر مدينة القدس بما يحصل للقوة الفكرية من المعاني الفائضة عليها من الروح، وامرأة العزيز بالنفس اللوامة، وقد القميص من دبر بخرقها لباس الصفة النورية التي هي من قبل الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة، ووجدان السيد بالباب بظهور نور الروح عند إقبال
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»