تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٨١
إذا ارتحل الكرام إليك يوما * ليلتمسوك حالا بعد حال فإن رحالنا حطت رضاء * بحكمك عن حلول وارتحال فسسنا كيف شئت ولا تكلنا * إلى تدبيرنا يا ذا المعالي وعلى هذا درج العاشقون إذا اشتد بهم الحال فزعوا إلى الملك المتعال، ومن ذلك: إلى الله أشكو ما لقيت من الهجر * ومن كثرة البلوى ومن ألم الصبر ومن حرق بين الجوانح والحشا * كجمر الغضا لا بل أحر من الجمر وقد يقال: إنه عليه السلام إنما رفع قصة شكواه إلى عالم سره ونجواه استرواحا مما يجده بتلك المناجاة كما قيل: إذا ما تمنى الناس روحا وراحة * تمنيت أن أشكو إليه فيسمع * (يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) * كأنه عليه السلام تنسم نسائم الفرج بعد أن رفع الأمر إلى مولاه عز وجل فقال ذلك: * (ولا تيأسوا من روح الله) * (يوسف: 87) من رحمته بإرجاعهما إلى أو من رحمته تعالى بتوفيق يوسف عليه السلام برفع خجالتكم إذا وجدتموه * (قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر) * أرادوا ضر المجاعة ولو أنهم علموا وأنصفوا لقصدوا ضر فراقك فإنه قد أضر بأبيهم وبهم وبأهلهم لو يعلمون. كفى حزنا بالواله الصب أن يرى * منازل من يهوى معطلة قفرا واعلم أن فيما قاله إخوة يوسف له عليه السلام من هنا إلى * (المتصدقين) * تعليم آداب الدعاء والرجوع إلى الأكابر ومخاطبة السادات فمن لم يرجع إلى باب سيده بالذلة والافتقار وتذليل النفس وتصغير ما يبدو منها وير أن ما من سيده إليه على طريق الصدقة والفضل لا على طريق الاستحقاق كان مبعدا مطرودا، وينبغي لعشاق جمال القدم إذا دخلوا الحضرة أن يقولوا: يا أيها العزيز مسنا وأهلنا من ضر فراقك والبعد عن ساحة وصالك ما لا يحتمله الصم الصلاب. خليلي ما ألقاه في الحب إن يدم * على صخرة صماء ينفلق الصخر ويقولوا: * (جئنا ببضاعة مزجاة) * من أعمال معلولة وأفعال مغشوشة ومعرفة قليلة لم تحط بذرة من أنوار عظمتك وكل ذلك لا يليق بكمال عزتك وجلال صمديتك * (فأوف لنا) * كيل قربك من بيادر جودك وفضلك * (وتصدق علينا) * (يوسف: 88) بنعم مشاهدتك فإنه إذا عومل المخلوق بما عومل فمعاملة الخالق بذلك أولى * (قالوا أئنك لأنت يوسف) * خاطبوه بعد المعرفة بخطاب المودة لا بخطاب التكلف، وفيه من حسن الظن فيه عليه السلام ما فيه. إذا صفت المودة بين قوم * ودام ولاؤهم سمج الثناء ويمكن أن يقال: إنهم لما عرفوه سقطت عنهم الهيبة وهاجت الحمية فلم يكلموه على النمط الأول، وقوله: * (قال أنا يوسف وهذا أخي) * (يوسف: 90) جواب لهم لكن زيادة * (وهذا أخي) * قيل: لتهوين حال بديهة الحجل، وقيل: للإشارة إلى أن إخوتهم لا تعد إخوة لأن الإخوة الصحيحة ما لم يكن فيها جفاء، ثم إنه عليه السلام لما رأى
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»