تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٨٤
القلب إليه بواسطة تذكر البرهان العقلي وورود الوارد القدسي عليه، والشاهد بالفكر الذي هو ابن عم امرأة العزيز أو بالطبيعة الجسمانية الذي هو ابن خالتها، والصاحبين بقوة المحبة الروحية وبهوى النفس، والخمر بخمر العشق، والخبز باللذات، والطير بطير القوى الجسمانية، والملك بالعقل الفعال، والبقرات بمراتب النفس، والسقاية بقوة الإدراك، والمؤذن بالوهم إلى غير ذلك، وطبق القصة على ما ذكر وتكلف له أشد تكلف وما أغناه عن ذلك والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره ولا يرجى إلا خيره.
سورة الرعد جاء من طريق مجاهد عن ابن عباس. وعلي بن أبي طلحة أنها مكية، وروي ذلك عن سعيد بن جبير قال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر قال: سألت ابن جبير عن قوله تعالى: * (ومن عنده علم الكتاب) * (الرعد: 43) هل هو عبد الله بن سلام؟ فقال: كيف وهذه السورة مكية. وأخرج مجاهد عن ابن الزبير، وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس، ومن طريق ابن جريج. وعثمان عن عطاء عنه، وأبو الشيخ عن قتادة أنها مدنية إلا أن في رواية الأخير استثناء قوله تعالى: * (ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة) * (الراعد: 31) الآية فإنها مكية، وروي أن أولها إلى آخر * (ولو أن قرآنا) * (الراعد: 31) الآية مدني وباقيها مكي. وفي الإتقان يؤيد القول بأنها مدنية ما أخرجه الطبراني وغيره عن أنس أن قوله تعالى: * (الله يعلم ما تحمل كل أنثى) * إلى قوله سبحانه: * (وهو شديد المحال) * (الرعد: 13) نزل في قصة اربد بن قيس. وعامر بن الطفيل حين قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: والذي يجمع به بين الاختلاف إنها مكية إلا آيات منها، وهي ثلاثة وأربعون آية في الكوفي، وأربع في المدني، وخمس في البصري، وسبع في الشامي. ووجه مناسبتها لما قبلها أنه سبحانه قال فيما تقدم: * (كأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) * (يوسف: 105) فأجمل سبحانه الآيات السماوية والأرضية ثم فصل جل شأنه ذلك هنا أتم تفصيل، وأيضا أنه تعالى قد أتى هنا مما يدل على توحيده عز وجل ما يصلح شرحا لما حكاه عن يوسف عليه السلام من قوله: * (أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) * (يوسف: 39) وأيضا في كل من السورتين ما فيه تسلية له صلى الله عليه وسلم، هذا مع اشتراك آخر تلك السورة وأول هذه فيما فيه وصف القرآن كما لا يخفى. وجاء في فضلها ما أخرجه ابن أبي شيبة. والمروزي في الجنائز أنه كان يستحب إذا حضر الميت أن يقرأ عنده سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت وأنه أهون لقبضه وأيسر لشأنه، وجاء في ذلك أخبار أخر نصوا على وضعها والله تعالى أعلم.
* (المر تلك آيات االكتاب والذى أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * * (بسم الله الرحمان الرحيم ألمر) * أخرج. ابن جرير. وأبو الشيخ عن ابن عباس أن معنى ذلك أنا الله أعلم وأرى وهو أحد أقوال مشهورة في مثل ذلك * (تلك ءايات الكتاب) * جعل غير واحد الكتاب بمعنى السورة وهو بمعنى المكتوب صادق عليها من غير اعتبار تجوز، والإشارة إلى آياتها باعتبار أنها لتلاوة بعضها والبعض الآخر في معرض التلاوة صارت كالحاضرة أو لثبوتها في اللوح أو مع الملك، والمعنى تلك الآيات السورة الكاملة العجيبة في بابها، واستفيد هذا على ما قيل من اللام، وذلك أن الإضافة بيانية فالمآل ذلك الكتاب، والخبر إذا عرف بلام الجنس أفاد المبالغة وأن هذا المحكوم عليه اكتسب من الفضيلة ما يوجب
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»