تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٧٦
عبرات خططن في الخد سطرا * فقراه من لم يكن قط يقرا صابر الصبر فاستغاث به الصب‍ * - ر فصاح المحب بالصبر صبرا * (قال يا بشر هذا غلام) * (يوسف: 19) قال جعفر: كان لله تعالى في يوسف عليه السلام سر فغطي عليهم موضع سره ولو كشف للسيارة عن حقيقة ما أودع في ذلك البدر الطالع من برح دلوهم لما اكتفى قائلهم بذلك ولما اتخذوه بضاعة، ولهذا لما كشف للنسوة بعض الأمر قلن: * (ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم) * (يوسف: 31) ولجهلم أيضا بما أودع فيه من خزائن الغيب باعوه بثمن بخس وهو معنى قوله سبحانه: * (وشروه بثمن بخس) * (يوسف: 20) قال الجنيد قدس سره: كل ما وقع تحت العد والإحصاء فهو بخس ولو كان جميع ما في الكونين فلا يكن حظك البخس من ربك فتميل إليه وترضى به دون ربك جل جلاله، وقال ابن عطاء: ليس ما باع إخوة يوسف من نفس لا يقع عليها البيع بأعجب من بيع نفسك بأدنى شهوة بعد أن بعتها من ربك بأوفر الثمن قال الله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين) * (التوبة: 111) الآية فبيع ما تقدم بيعه باطل، وإنما باع يوسف أعداؤه وأنت تبيع نفسك من أعدائك * (وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه) * قيل: أي لا تنظري إليه نظر الشهوة فإن وجهه مرآة تجلى الحق في العالم، أو لا تنظري بنظر العبودية ولكن انظري إليه بنظر المعرفة لتري فيه أنوار الربوبية؛ أو اجعلي محبته في قلبك لا في نفسك فإن القلب موضع المعرفة والطاعة والنفس موضع الفتنة والشهوة * (عسى أن ينفعنا) * قيل: أي بأن يعرفنا منازل الصديقين ومراتب الروحانيين ويبلغنا ببركة صحبته إلى مشاهدة رب العالمين، وقيل: أراد حسنى صحبته في الدنيا لعله أن يشفع لنا في العقبى * (وراودته التي هو في بيتها) * (يوسف: 23) حيث غلب عليها العشق * (وغلقت الأبواب) * (يوسف: 23) قطعت الأسباب وجمعت الهمة إليه أو غلقت أبواب الدار غيرة أن يرى أحد أسرارهما * (ولقد همت به) * قال ابن عطاء: هم شهوة * (وهم بها) * هم زجر عما همت به بضرب أو نحوه * (لولا أن رأى برهان ربه) * وهو الواعظ الإلهي في قلبه * (كذلك لنصرف عنه السوء) * والخواطر الرديئة * (والفحشاء) * (يوسف: 24) الأفعال القبيحة، وقيل: البرهان هو أنه لم يشاهد في ذلك الوقت إلا الحق سبحانه وتعالى، وقيل: هو مشاهدة أبيه يعقوب عليه السلام عاضا على سباباته، وجعل ذلك بعض أجلة مشايخنا أحد الأدلة على أن للرابطة المشهور عند ساداتنا النقشبندية أصلا أصيلا وهو على فرض صحته بمراحل عن ذلك * (واستبقا الباب) * فرارا من محل الخطر. قيل: لو فر إلى الله تعالى لكفاه ولما ناله بعد ما عناه * (وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) * (يوسف: 25) نفت عن نفسها الذنب لأنها علمت إذ ذاك أنها لو بينت الحق لقتلت وحرمت من حلاوة محبة يوسف والنظر إلى وجهه. لحبك أحببت البقاء لمهجتي * فلا طال إن أعرضت عني بقائيا وإنما عرضت بنسبة الذنب إليه لعلمها بأنه عليه السلام لم يبق في البؤس ولا يقدر أحد على أن يؤذيه لما أن وجهه سالب القلوب وجالب الأرواح.
له في طرفه لحظات سحر * يميت بها ويحيي من يريد ويسبي العالمين بمقلتيه * كأن العالمين له عبيد وقال ابن عطاء: إنها إذ ذاك لم تستغرق في محبته بعد فلذا لم تخبر بالصدق وآثرت نفسها عليه ولهذا لما استغرقت في المحبة آثرت نفسه على نفسها فقالت: * (الآن حصحص الحق) * (يوسف: 51) الآية، ثم إنه عليه السلام لم يسعه بعد تهمتها
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»