تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٦٧
هم المنافقون جهروا بالإيمان واخفوا الكفر ونسب ذلك للبلخي، وعن الحبر أنهم المشبهة آمنوا مجملا وكفروا مفصلا. وعن الحسن أنهم المراؤون بأعمالهم والرياء شرك خفي، وقيل: هم المناظرون إلى الأسباب المعتمدون عليها، وقيل: هم الذين يطيعون الخلق بمعصية الخالق، وقد يقال نظرا إلى مفهوم الآية: إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلا وكان مرتكبا ما يعد شركا كيفما كان، ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها وهم اليوم أكثر من الدود، واحتجت الكرامية بالآية على أن الأيمان مجرد الإقرار باللسان وفيه نظر.
* (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون) * .
* (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله) * أي عقوبة تغشاهم وتشملهم، والاستفهام إنكار فيه معنى التوبيخ والتهديد كما في البحر، والكلام في العطف ومحل الاستفهام في الحقية مشهور وقد مر غير مرة، والمراد بهذه العقوبة ما يعم الدنيوية والأخروية على ما قيل. وفي البحر ما هو صريح في الدنيوية للمقابلة بقوله سبحانه: * (أو تأتيهم الساعة بغتة) * فجأة من غير سابقة علامة وهو الظاهر * (وهم لا يشعرون) * بإتيانها غير مستعدين لها.
* (قل ه‍اذه سبيلىأدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله ومآ أنا من المشركين) * .
* (قل هذه سبيلي) * أي هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والوتحيد سبيلي كذا قالوا، والظاهر أنهم أخذوا الدعوة إلى الإيمان من قوله تعالى: * (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) * (يوسف: 103) لافادة أنه يدعوهم إلى الإيمان بجد وحرص وان لم ينفع فيهم، والدعوة إلى التوحيد من قوله سبحانه: * (وما يؤمن أكثرهم) * (يوسف: 106) لدلالته على أن كونه ذكرا لهم لاشتماله على التوحيد لكنهم لا يرفعون له رأسا كسائر آيات الآفاق والانفس الدالة على توحده تعالى ذاتا وصفات، وفسر ذلك بقوله تعالى: * (أدعوا إلى الله) * أي أدعو الناس إلى معرفته سبحانه بصفات كماله ونعوت جلاله ومن جملتها التوحيد فالجملة لا محل لها من الإعراب، وقيل: إن الجملة في موضع الحال من الياء والعامل فيها معنى الإشارة. وتعقب بأن الحال في مثله من المضاف إليه مخالفة للقواعد ظاهرا وليس ذلك مثل * (أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) * (النحل: 123) واعترض أيضا بأن فيه تقييد الشيء بنفسه وليس ذاك * (على بصيرة) * أي بيان وحجة واضحة غير عمياء، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير * (أدعو) * وزعم أبو حيان أن الظاهر تعلقه - بأدعو - وقوله تعالى: * (أنا) * تأكيد لذلك الضمير أو للضمير الذي في الحال، وقوله تعالى: * (ومن اتبعني) * عطف على ذي الحال، ونسبة * (أدعو) * إليه من باب التغليب كما قرر في قوله تعالى: * (اسكن أنت وزوجك الجنة) * (البقرة: 35) ومنهم من قدر في مثله فعلا عاملا في المعطوف ولم يعول عليه المحققون، ومنع عطفه على * (أنا) * لكونه تأكيدا ولا يصح في المعطوف كونه تأكيدا كالمعطوف عليه. واعترض بأن ذلك غير لازم كما يقتضيه كلام المحققين، وجوز كون * (من) * مبتدأ خبره محذوف أي ومن اتبعني كذلك أي داع وأن يكون * (على بصيرة) * خبرا مقدما * (وأنا) * مبتدأ * (ومن) * عطف عليه، وقوله تعالى: * (وسبحان الله) * أي وأنزهه سبحانه وتعالى تنزيها من الشركاء، وهو داخل تحت القول وكذا * (وما أنا من المشركين) * في وقت من الأوقات، والكلام مؤكد لما سبق من الدعوة إلى الله تعالى. وقرأ عبد الله * (قل هذا سبيلي) * على التذكير والسبيل تؤنث وقد تذكر.
* (ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحىإليهم من أهل القرى أفلم يسيروا فى الارض فينظروا كيف كان ع‍اقبة الذين من قبلهم ولدار الاخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون) * .
* (وعما أرسلنا من قبلك إلا رجالا) * رد لقولهم: * (لو شاء ربنا لأنزل ملائكة) * (فصلت: 14) نفي له، وقيل: المراد نفي استنباء النساء ونسب ذلك إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وزعم
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»