تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٨٩
تمثيلية للحفظ والتدبير، وبعضهم فسر استوى باستولى، ومذهب السلف في ذلك شهير ومع هذا قد قدمنا الكلام فيه، وأيا ما كان فليس المراد به القصد إلى إيجاد العرش كما قالوا في قوله تعالى: * (ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات) * (البقرة: 29) لأن إيجاده قبل إيجاد السموات، ولا حاجة إلى إرادة ذلك مع القول بسبق الإيجاد وحمل * (ثم) * على التراخي في الرتبة، نعم قال بعضهم: إنها للتراخي الرتبي لا لأن الاستواء بمعنى القصد المذكور وهو متقدم بل لأنه صفة قديمة لائقة به تعالى شأنه وهو متقدم على رفع السموات أيضا وبينهما تراخ في الرتبة * (وسخر الشمس والقمر) * ذللهما وجعلهما طائعين لما أريد منها * (كل) * من الشمس والقمر * (يجري) * يسير في المنازل والدرجات * (لأجل مسمى) * أي وقت معين، فإن الشمس تقطع الفلك في سنة والقمر في شهر لا يختلف جري كل منهما كما في قوله تعالى: * (والشمس تجري لمستقر لها... والقمر قدرناه منازل) * (يس: 38، 39) وهو المروى عن ابن عباس، وقيل: أي كل يجري لغاية مضروبة ينقطع دونها سيره وهي * (إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت) * (التكوير: 1، 2) وهذا مراد مجاهد من تفسير الأجل المسمى بالدنيا، قيل: والتفسير الحق ما روى عن الحبر، وأما الثاني: فلا يناسب الفصل به بين التسخير والتدبير. ثم إن غايتهما متحدة والتعبير - بكل يجري - صريح في التعدد وما للغاية * (إلى) * دون اللام، ورد بأنه إن أراد أن التعبير بذلك صريح في تعدد ذي الغاية فمسلم لكن لا يجد به نفعا، وإن أراد صراحته في تعدد الغاية فغير مسلم، واللام تجيء بمعنى إلى كما في المغنى وغيره. وأنت تعلم لا يفيد أكثر من صحة التفسير الثاني، فافهم، وما أشرنا إليه من المراد من كل هو الظاهر، وزعم ابن عطية أن ذكر الشمس والقمر قد تضمن ذكر الكواكب فالمراد من كل كل منهما ومما هو في معناهما من الكواكب والحق ما علمت * (يدبر الأمر) * أي أمر العالم العلوي والسفلي، والمراد أنه سبحانه يقضي ويقدر ويتصرف في ذلك على أكمل الوجوه وإلا فالتدبير بالمعنى اللغوي لاقتضائه التفكر في دبر الأمور مما لا يصح نسبته إليه تعالى: * (يفصل الآيات) * أي ينزلها ويبينها مفصلة، والمراد بها آيات الكتب المنزلة أو القرآن على ما هو المناسب لما قبل، أو المراد بها الدلائل المشار إليها فيما تقدم وبتفصيلها تبيينها، وقيل إحداثها على ما هو المناسب لما بعد. والجملتان جوز أن يكونا مستأنفتين وأن يكونا حالين من ضمير * (استوى) * وسخر من تتمته بناء على أنه جيء به لتقرير معنى الاستواء وتبيينه أو جملة مفسرة له، وجوز أن يكون * (يدبر) * حالا من فاعل * (سخر) * و * (يفصل) * حالا من فاعل * (يدبر) *، و * (الله الذي) * الخ على جميع التقادير مبتدأ وخبر، وجوز أن يكون الاسم الجليل مبتدأ والموصول صفته وجملة * (يدبر) * خبره وجملة * (يفصل) * خبرا بعد خبر، ورجح كون ذلك مبتدأ وخبرا في " الكشف " بأن قوله تعالى الآتي: * (وهو الذي مد الأرض) * (الرعد: 3) عطف عليه على سبيل التقابل بين العلويات والسفليات وفي المقابل تتعين الخبرية فكذلك في المقابل ليتوافقا، ولدلالته على أن كونه كذلك هو المقصود بالحكم لا أنه ذريعة إلى تحقيق الخبر وتعظيمه كما في الوجه الآخر، ثم قال: وهو على هذا جملة مقررة لقوله سحبانه: * (والذي أنزل إليك من ربك هو الحق) * (الرعد: 1) وعدل عن ضمير الرب إلى الاسم المظهر الجامع لترشيح التقرير كأنه قيل: كيف لا يكون منزل من هذه أفعاله الحق الذي لا أحق منه، وفي الإتيان بالمبتدأ والخبر
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»