تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٧٢
من المحدثين: ألم تخبرنا يا رسول الله انا ندخل البيت ونطوف؟ قال: بلى أفاخبرتك إنك تدخله هذا العام؟ قال: لا. قال: إنك داخله ومطوف به، وكذلك قال له أبو بكر رضي الله تعالى عنه فبين له أن الوعد منه عليه الصلاة والسلام كان مطلقا غير مقيد بوقت، وكونه صلى الله عليه وسلم سعى في ذلك العام إلى مكة وقددها لا يوجب تخصيصا لوعده تعالى بالدخول في تلك السنة، ولعله عله الصلاة والسلام إنما سعى بناء على ظن أن يكون الأمر كذلك فلم يكن، ولا محذور في ذلك فليس من شرط النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون كل ما قصده، بل من تمام نعمة الله تعالى عليه أن يأخذ به عما يقصده إلى أمر آخر هو أنفع مما قصده إن كان كما كان في عام الحديبية، ولا يضر أيضا خروج الأمر على خلاف ما يظنه عليه الصلاة والسلام، فقد روى مسلم في صحيحه أنه عليه الصلاة والسلام قال في تأبير النخل: " إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله تعالى شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله تعالى " ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين: " ما قصرت الصلاة ولا نسيت ثم تبين النسيان " وفي قصة الوليد بن عقبة النازل فيها * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * (الحجر: 6) الآية وقصة بني أبيرق النازل فيها * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما) * (النساء: 105) ما فيه كفاية في العلم بأنه صلى الله عليه وسلم قد يظن الشيء فيبينه الله تعالى على وجه آخر، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو - هو - هكذا فما ظنك بغيره من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، ومما يزيد هذا قوة أن جمهور المحدثين والفقهاء على أنه يجوز للأنبياء عليهم السلام الاجتهاد في الأحكام الشرعية ويجوز عليهم الخطأ في ذلك لكن لا يقرون عليه فإنه لا شك أن هذا دون الخطأ في ظن ما ليس من الأحكام الشرعية في شيء، وإذا تحقق ذلك فلا يبعد أن يقال: إن أولئك الرسل عليهم السلام أخبروا بعذاب قومهم ولم يعين لهم وقت له فاجتهدوا وعينوا لذلك وقتا حسبما ظهر لهم كما عين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية لدخول مكة فلما طالت المدة استيأسوا وظنوا كذب أنفسهم وغلط اجتهادهم وليس في ذلك ظن بكذب وعده تعالى ولا مستلزما له أصلا فلا محذور. وأنت تعلم أن الأوفق بتعظيم الرسل عليهم السلام والأبعد عن الحوم حول حمى ما لا يليق بهم القول بنسبة الظن إلى غيرهم صلى الله عليه وسلم والله تعالى أعلم، والظاهر أن ضمير * (جاءهم) * على سائر القراآت والوجوه للرسل، وقيل: إنه راجع إليهم وإلى المؤمنين جاء الرسل ومن آمن بهم نصرنا * (فنجي من نشاء) * انجاءه وهم الرسل والمؤمنون بهم، وإنما لم يعينوا للإشارة إلى أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم ولا يشاركهم فيه غيرهم.
وقرأ عاصم. وابن عامر. ويعقوب * (فنجى) * بنون واحدة وجيم مشددة وياء مفتوحة على أنه ماض مبني للمفعول و * (من) * نائب الفاعل. وقرأ مجاهد.
والحسن. والجحدري. وطلحة. وابن هرمز كذلك إلا أنهم سكنوا الياء، وخرجت على أن الفعل ماض أيضا كما في القراءة التي قبلها إلا أنه سكنت الياء على لغة من يستثقل الحركة على الياء مطلقا، ومنه قراءة من قرأ * (ما تطعمون أهليكم) * (المائدة: 89) بسكون الياء، وقيل: الأصل ننجي بنونين فأدغم النون في الجيم. ورده أبو حيان بأنها لا تدغم فيها، وتعقب بأن بعضهم قد ذهب إلى جواز ادغامها ورويت هذه القراءة عن الكسائي. ونافع، وقرأت فرقة كما قرأ باقي السبعة بنونين مضارع أنجى إلا أنهم فتحوا اليا، ورواها هبيرة عن حفص عن عاصم، وزعم ابن عطية أن ذلك غلط من هبيرة إذ لا وجه للفتح، وفيه أن الوجه ظاهر، فقد ذكروا أن الشرط والجزاء يجوز أن يأتي بعدهما المضارع منصوبا بإضمار أن بعد الفاء كقراءة
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»