تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٦١
وهذا عذر واضح ليوسف عليه السلام في عدم إعلام أبيه بسلامته. وقد صرح غير واحد بأنه عليه السلام أوحى إليه بإخفاء الأمر على أبيه إلى أن يبلغ الكتاب أجله، لكن يبقى السؤال بأن يعقوب عليه السلام كان من أكابر الأنبياء نفسا وأبا وجدا وكان مشهورا في أكناف الأرض ومن كان كذلك ثم وقعت له واقعة هائلة في أعز أولاده عليه لم تبق تلك الواقعة خفية بل لا بد وأن تبلغ في الشهرة إلى حيث يعرفها كل أحد لا سيما وقد انقضت المدة الطويلة فيها وهو في ذلك الحزن الذي تضرب فيه الأمثال ويوسف عليه السلام ليس بمكان بعيد عن مكانه ولا متوطنا زوايا الخفاء ولا خامل الذكر بل كان مرجع العام والخاص وداعيا إلى الله تعالى في السر والعلن وأوقات السرور والمحن فكيف غم أمره ولم يصل إلى أبيه خبره؟.
وأجيب عن ذلك بأنه ليس إلا من باب خرق العادة، واختلفوا في مقدار المدة بين الرؤيا وظهور تأويلها فقيل: ثماني عشرة سنة، وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الحسن أن المدة ثمانون سنة، وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أنها سبع وتسعون سنة، وعن حذيفة أنها سبعون سنة، وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة أنها خمس وثلاثون سنة، وأخرج جماعة عن سلمان الفارسي أنها أربعون سنة وهو قول الأكثرين، قال ابن شداد: وإلى ذلك ينتهي تأويل الرؤيا والله تعالى أعلم بحقائق الأمور.
* (رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر السم‍اوات والارض أنت ولى فى الدنيا والاخرة توفنى مسلما وألحقنى بالص‍الحين) *.
* (رب قد ءاتيتني من الملك) * أي بعضا عظيما منه - فمن - للتبعيض ويبعد القول بزيادتها أو جعلها لبيان الجنس والتعظيم من مقتضيات المقام، وبعضهم قدر عظيما في النظم الجليل على أن مفعول به كما نقل أبو البقاء وليس بشيء، والظاهر أنه أراد من ذلك البعض ملك مصر ومن * (الملك) * ما يعم مصر وغيهرا، ويفهم من كلام بعضهم جواز أن يراد من الملك مصر ومن البعض شيء منها وزعم أنه لا ينافي قوله تعالى: * (مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء) * (يوسف: 56) لأنه لم يكن مستقلا فيه وإن كان ممكنا فيه وفيه تأمل، وقيل: أراد ملك نفسه من إنفاذ شهوته، وقال عطاء ملك حساده بالطاعة ونيل الأماني وليس بذاك * (وعلمتني من تأويل الأحاديث) * أي بعضا من ذلك كذلك، والمراد بتأويل الأحاديث أما تعليم تعبي الرؤيا وهو الظاهر وإما تفهيم غوامض أسرار الكتب الإلهية ودقائق سنن الأنبياء، وعلى التقديرين لم يؤت عليه السلام جميع ذلك، والترتيب على غير الظاهر ظاهر وأما على الظاهر فلعل تقديم إيتاء الملك على ذلك في الذكر لأنه بمقام تعداد النعم الفائضة عليه من الله سبحانه والملك أعرق في كونه نعمة من التعليم المذكور وإن كان ذلك أيضا نعمة جليلة في نفسه فتذكر وتأمل. وقرأ عبد الله وابن ذر * (آتيتن وعلمتن) * بحذف الياء فيهما اكتفاء بالكسرة، وحكى ابن عطية عن الأخير * (آتيتني) * بغير * (قد) * * (فاطر السموات والأرض) * أي مبدعهما وخالقهما، ونصبه على أنه نعت - لرب - أو بدل أو بيان أو منصوب بأعني أو منادي ثان، ووصفه تعالى به بعدو صفه بالربوبية مبالغة في ترتيب مبادىء ما يعقبه من قوله: * (أنت وليي) * متولى أموري ومتكفل بها أو موالي لي وناصر * (في الدنيا والآخرة) * فالولي إما من الولاية أو الموالاة، وجوز أن كيون بمعنى الموالي كالمعطي لفظا ومعنى أي الذي يعطيني نعم الدنيا
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»