تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٧١
كذبوهم فيما جاؤوا به جاء الرسل نصرنا، وروي ذلك أيضا عن سعيد بن جبير. أخرج ابن جرير. وأبو الشيخ عن ربيعة بن كلثوم قال: حدثني أبي أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير فقال: يا أبا عبد الله آية قد بلغت منى كل مبلغ * (حتى إذا استيأس الرسل وظنو انهم قد كذبوا) * فإن الموت أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا مثقلة أو تظن أنهم قد كذبوا مخففة فقال سعيد: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظن قومهم أن الرسل كذبتهم جاءهم نصرنا فقام مسلم إليه فاعتنقه وقال: فرج الله تعالى عنك كما فرجت عني، وروي أنه قال. ذلك بمحضر من الضحاك فقال له: لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلا، وقيل: ضمير * (ظنوا) * للمرسل إليهم وضمير * (أنهم) * و * (وكذبوا) * للرسل عليهم السلام وظنوا أن الرسل عليهم السلام اخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم. وقرأ غير واحد من السبعة. والحسن. وقتادة. ومحمد بن كعب. وأبو رجاء. وابن أبي مليكة. والأعرج. وعائشة في المشهور * (كذبوا) * بالتشديد والبناء للمفعول، والضمائر على هذا للرسل عليهم السلام أي ظن الرسل أن اممهم كذبوهم فيما جاؤوا به لطول البلاء عليهم فجاءهم نصر الله تعالى عند ذلك وهو تفسير عائشة رضي الله تعالى عنها الذي رواه البخاري عليه الرحمة، والظن بمعناه أو بمعنى اليقين أو التوهم، وعن ابن عباس. ومجاهد. والضحاك أنهم قرؤوا * (كذبوا) * مخففا مبنيا للفاعل فضمير * (ظنوا) * للأمم وضمير * (أنهم قد كذبوا) * للرسل أي ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوهم به من النصر أو العقاب، وجوز أن يكون ضمير * (ظنوا) * للرسل وضمير * (أنهم قد كذبوا) * للمرسل إليهم أي ظن الرسل عليهم السلام أن الأمم كذبتهم فيما وعدوهم به من أنهم يؤمنون، والظن الظاهر كما قيل: إنه بمعنى اليقين، وقرىء كما قال أبو البقاء: * (كذبوا) * بالتشديد والبناء للفاعل، وأول ذلك بأن الرسل عليهم السلام ظنوا أن الأمم قد كذبوهم في وعدهم هذا، والمشهور استشكال الآية من جهة أنها متضمنة ظاهرا على القراءة الأولى، نسبة ما لا يليق من الظن إلى الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، واستشكل بعضهم نسبة الاستياس إليهم عليهم السلام أيضا بناء على أن الظاهر أنهم استيأسوا مما وعدوا به وأخبروا بكونه فإن ذلك أيضا مما لا يليق نسبته إليهم. وأجيب بأنه لا يراد ذلك وإنما يراد أنهم استيأسوا من إيمان قومهم.
واعترض بأنه يبعده عطف * (وظنوا أنهم قد كذبوا) * الظاهر في أنهم ظنوا كونهم مكذوبين فيما وعدوا به عليه.
وذكر المجد في هذا المقام تحقيقا غير ما ذكره أولا وهو أن الاستيآس وظن أنهم مكذوبين كليهما متعلقان بما ضم للموعود به اجتهادا، وذلك أن الخبر عن استيآسهم مطلق وليس في الآية ما يدل على تقييده بما وعدوا به وأخبروا بكونه وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن الله تعالى إذا وعد الرسل بنصر مطلق كما هو غالب اخباراته لم يعين زمانه ولا مكانه ولا صفته، فكثيرا ما يعتقد الناس في الموعود به صفات أخرى لم يدل عليها خطاب الحق تعالى بل اعتقدوها بأسباب أخرى كما اعتقد طائفة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لهم أنهم يدخلون المسجد الحرام ويطوفون به أن ذلك يكون عام الحديبية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا ورجا أن يدخل مكة ذلك العام ويطوف ويسعى فلما استيئسوا من ذلك ذلك العام لما صدهم المشركون حتى قاضاهم عليه الصلاة والسلام على الصلح المشهور بقي في قلب بعضهم شيء حتى قال عمر رضي الله تعالى عنه مع أنه كان
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»