تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٦٩
إليه وقد مر الكلام في ذلك * (وظنوا أنهم قد كذبوا) * بالتخفيف والبناء للمفعول، وهي قراءة علي كرم الله تعالى وجهه. وأبى. وابن مسعود. وابن عباس. ومجاهد. وطلحة والأعمش. والكوفيين، واختلف في توجيه الآية على ذلك فقيل: الضمائر الثلاثة للرسل والظن بمعنى التوهم لا بمعناه الأصلي ولا بمعناه المجازي أعني اليقين وفاعل * (كذبوا) * المقدر إما أنفسهم أو رجاؤهم فإنه يوصف بالصدق والكذب أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم رجاؤهم النصر، والمعنى أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله تعالى قد تطاولت وتمادت حتى استشعروا القنوط وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا * (جاءهم نصرنا) * فجأة؛ وقيل: الضمائر كلها للرسل والظن بمعناه وفاعل * (كذبوا) * المقدر من أخبرهم عن الله تعالى وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقد أخرج الطبراني. وغيره عن عبد الله بن أبي مليكة قال: إن ابن عباس قرأ * (قد كذبوا) * مخففة ثم قال: يقول أخلفوا وكانوا بشرا وتلا * (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) * (البقرة: 214) قال ابن أبي مليكة: فذهب ابن عباس إلى أنهم يئسوا وضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا وروى ذلك عنه البخاري في الصحيح، واستشكل هذا بأن فيه ما لا يليق نسبته إلى الأنبياء عليهم السلام بل إلى صالحي الأمة ولذا نقل عن عائشة رضي الله تعالى عنها ذلك، فقد أخرج البخاري. والنسائي. وغيرهما من طريق عروة أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية قال: قلت أكذبوا أم كذبوا فقالت عائشة بل كذبوا يعني بالتشديد قلت: والله لقد استيقنوا ان قومهم كذبوهم فما هو بالظن قالت: أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك فقلت: لعله * (وظنوا أنهم قد كذبوا) * مخففة قالت: معاذ الله تعالى لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاء نصر الله تعالى عند ذلك.
وأجاب بعضهم بأنه يمكن أن يكون اراد رضي الله تعالى عنه بالظن ما يخطر بالبال ويهجس بالقلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية، وذهب المجد بن تيمية إلى رجوع الضمائر جميعها إيضا إلى الرسل مائلا إلى ما روي عن ابن عباس مدعيا أنه الظاهر وأن الآية على حد قوله تعالى: * (إذا تمنى ألقى الشيطان في أمتيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته) * (الحج: 52) فإن الالقاء في قلبه وفي لسانه وفي عمله من باب واحد والله تعالى ينسخ ما يلقي الشيطان، ثم قال: والظن لا يراد به في الكتاب والسنة الاعتقاد الراجح كما هو في اصطلاح طائفة من أهل العلم ويسمون الاعتقاد المرجوح وهما فقد قال صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " وقال سبحانه: * (إن الظن لا يغنى عن الحق شيئا) * (النجم: 28) فالاعتقاد المرجوح هو ظن وهو وهم، وهذا قد يكون ذنبا يضعف الإيمان ولا يزيله وقد يكون حديث النفس المعفو عنه كما قال عليه الصلاة والسلام: " إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل " وقد يكون من باب الوسوسة التي هي صريح الإيمان كما ثبت في الصحيح أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا: يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما أن يحرق حتى يصير حمما أو يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به قال صلى الله عليه وسلم: " أو قد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذلك صريح الإيمان " وفي حديث آخر " إن أحدنا ليجد ما يتعاظم أن يتكلم به قال: الحمد لله
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»