تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٧٠
الذي رد كيده إلى الوسوسة " ونظير هذا ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: " نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام إذ قال له ربه: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي " فسمى النبي صلى الله عليه وسلم التفاوت بين الإيمان والإطمئنان شكا باحياء الموتى، وعلى هذا يقال: الوعد بالنصر في الدنيا لشخص قد يكون الشخص مؤمنا بإنجازه ولكن قد يضطرب قلبه فيه فلا يطمئن فيكون فوات الاطمئنان ظنا أنه كذب، فالشك وظن أنه كذب من باب واحد وهذه الأمور لا تقدح في الإيمان الواجب وإن كان فيها ما هو ذنب، فالأنبياء عليهم السلام معصومون من الإقرار على ذلك كما في أفعالهم على ما عرف من أصول السنة والحديث، وفي قص مثل ذلك عبرة للمؤمنين بهم عليهم السلام فانهم لا بد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك فلا ييأسوا إذا ابتلوا ويعلمون أنه قد ابتلى من هو خير منهم وكانت العاقبة إلى خير فيتيقن المرتاب ويتوب المذنب ويقوي إيمان المؤمن وبذلك يصح الاتساء بالأنبياء، ومن هنا قال سبحانه: * (لقد كان في قصصهم عبرة) * (يوسف: 111) ولو كان المتبوع معصوما مطلقا لا يتأتى الاتساء فإنه التابع أنا لست من جنسه فإنه لا يذكر بذنب فإذا أذنب استيأس من المتابعة والاقتدار لما أتى به من الذنب الذي يفسد المتابعة على القول بالعصمة بخلاف ما إذا علم أنه قد وقع شيء وجبر بالتوبة فإنه يصح حينئذ أمر المتابعة كما قيل: أول من أذنب وأجرم ثم تاب وندم أبو البشر آدم. ومن يشابه أبه فما ظلم. ولا يلزم الاقتداء بهم فيما نهوا عنه ووقع منهم ثم تابوا عنه لتحقق الأمر بالاقتداء بهم فيما أقروا عليه ولم ينهوا عنه ووقع منهم ولم يتوبوا منه، وما ذكر ليس بدون المنسوخ من أفعالهم وإذا كان ما أمروا به وأبيح لهم ثم نسخ تنقطع فيه المتابعة فما لم يؤمروا به ووقع منهم وتابوا عنه أحرى وأولى بانقطاع المتابعة فيه اه‍.
ولا يخفى أن ما ذكره مستلزم لجواز وقوع الكبائر من الأنبياء عليهم السلام وحاشاهم من غير أن يقرواعلى ذلك والقول به جل عظيم ولا يقدم عليه ذو قلب سليم، على أن في كلامه بعدما فيه؛ وليته اكتفى بجعل الضمائر للرسل وتفسير الظن بالتوهم كما فعل غيره فانه ما لا بأس به، وكذا لا بأس في حمل كلام ابن عباس على أنه أراد بالظن فيه ما هو على طريق الوسوسة ومثالها من حديث النفس فإن ذلك غير الوسوسة المنزه عنها الأنبياء عليهم السلام أو على أنه أراد بذلك المبالغة في التراخي وطول المدة على طريق الاستعارة التمثيلية بأن شبه المبالغة في التراخي بظن الكذب باعتبار استلزام كل منهما لعدم ترتب المطلوب فاستعمل ما لأحدهما في الآخر، وقيل: ان الضمائر الثلاثة للمرسل إليهم لأن ذكر الرسل متقاض ذاك، ونظير ذلك قوله: أمنك البرق ارقبه فهاجا * وبت اخاله دهما خلاجا فإن ضمير اخاله للرعد ولم يصرح به بل اكتفى بوميض البرق عنه، وان شئت قلت: ان ذكرهم قد جرى في قوله تعالى: * (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * (يوسف: 109) فيكون الضمير للذين من قبلهم ممن كذب الرسل عليهم السلام، والمعنى ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوة وفيما وعدوا به من لم يؤمن من العقاب وروي ذلك عن ابن عباس أيضا، فقد أخرج أبو عبيد. وسعيد بن منصور. والنسائي. وابن جرير. وغيرهم من طرق عنه رضي الله تعالى عنه أنه كان يقرأ * (كذبوا) * مخففة ويقول: حتى إذا يئس الرسل من قومهم أن يستجيوا لهم وظن قومهم ان الرسل قد
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»