تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٤٨
أبي فوضع على قفاه السكين ليقتل ففداه الله تعالى، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب الأولاد إلي فذهب به إخوته إلى البرية ثم أتوني بقميصه ملطخا بالدم وقالوا: قد أكله الذئب فذهبت عيناي من بكائي عليه ثم كان لي ابن كان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا: إنه سرق وإنك حبسته لذلك وإنا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فإن رددته علي وإلا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي روق نحوه، فلما قرأ يوسف عليه السلام الكتاب لم يتمالك وعيل صبره فقال لهم ذلك. وروى أنه لما قرأ الكتاب بكى وكتب الجواب اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا هذا، وما أشرنا إليه من كون المراد إثبات الجهل لهم حقيقة هو الظاهر، وقيل: لم يرد نفي العلم عنهم لأنهم كانوا علماء ولكنهم لما لم يفعلوا ما يقتضيه العلم وترك مقتضى العلم من صنيع الجهال سماهم جاهلين، وقيل: المراد جاهلون بما يؤل إليه الأمر، وعن ابن عباس والحسن * (جاهلون) * صبيان قبل أن تبلغوا أوان الحلم والرزانة، وتعقب بأنه ليس بالوجه لأنه لا يطابق الوجود وينافي * (ونحن عصبة) * فالظاهر عدم صحة الإسناد، وزعم في التحرير أن قول الجمهور: إن الاستفهام للتقرير والتوبيخ ومراده عليه السلام تعظيم الواقعة أي ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وأخيه كما يقال: هل تدري من عصيت، وقيل: هل بمعنى قد كما في * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) * (الإنسان: 1) والمقصود هو التوبيخ أيضا وكلا القولين لا يعول عليه والصحيح ما تقدم. ومن الغريب الذي لا يصح البتة ما حكاه الثعلبي أنه عليه السلام حين قالوا له ما قالوا غضب عليهم فأمر بقتلهم فبكوا وجزعوا فرق لهم وقال: * (هل علمتم) * الخ.
* (قالوا أءنك لانت يوسف قال أنا يوسف وه‍اذا أخى قد من الله علينآ إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) * .
* (قالوا أئنك لأنت يوسف) * استفهام تقرير ولذلك أكد بإن واللام لأن التأكيد يقتضي التحقق المنافي للاستفهام الحقيق، ولعلهم قالوه اسغرابا وتعجبا، وقرأ ابن كثير. وقتادة. وابن محيصن * (إنك) * بغير همزة استفهام، قال في " البحر ": والظاهر أنها مرادة ويبعد حمله على الخبر المحض، وقد قاله بعضهم لتعارض الاستفهام والخبر أن اتحد القائلون وهو الظاهر، فإن قدر أن بعضا استفهم وبعضا أخبر ونسب كل إلى المجموع أمكن وهو مع ذلك بعيد، و * (أنت) * في القراءتين مبتدأ و * (يوسف) * خبره والجملة في موضع الرفع خبر إن، ولا يجوز أن يكون أنت تأكيدا للضمير الذي هو اسم - إن - لحيلولة اللام، وقرأ أبي * (أئنك أو أنت يوسف) * وخرج ذلك ابن جني في كتاب المحتسب على حذف خبر إن وقدره أئنك لغير يوسف أو أنت يوسف، وكذا الزمخشري إلا أنه قدره أئنك يوسف أو أنت يوسف ثم قال: وهذا كلام متعجب مستغرب لما يسمع فهو يكرر الاستيثاق، قال في " الكشف " وما قدره أولى لقلة الإضمار وقوة الدلالة على المحذوف وإن كان الأول أجرى على اقنون الاستفهام، ولعل الأنسب أن يقدر أئنك أنت أو أنت يوسف تجهيلا لنفسه أن يكون مخاطبه يوسف أي أئنك المعروف عزيز مصر أو أنت يوسف، استبعدوا أن يكون العزيز يوسف أو يوسف عزيزا، وفيه قلة الإضمار أيضا مع تغاير المعطوف والمعطوف عليه وقوة الدلالة على المحذوف والجري على قانون الاستفهام مع زيادة الفائدة من إيهام البعد بين الحالتين.
فإن قيل: ذاك أوفق للمشهور لقوة الدلالة على أنه هو، يجاب بأنه يكفي في الدلالة على الأوجه كلها أن الاستفهام غير جار على الحقيقة، على أن عدم التنافي بين كونه مخاطبهم المعروف وكونه يوسف شديد الدلالة أيضا مع زيادة إفادة ذكر موجب استبعادهم وهو كلام يلوح عليه مخايل التحقيق، واختلفوا في
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»