تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٤٣
ثم قال: فأحببت أنا بعد الحمد لله تعالى ما أفتي به هذا المجيب من عدم وقوع الطلاق معللا بما ذكر فمنبىء عن فرط جهله وحمقه وكثرة مجازفته في الدين وخرقه إذ ذاك في الفعل إذا وقع جوابا للقسم بالله تعالى نحو تفتأ لا في جواب اليمين بمعنى التعليق بما يشق من طلاق وعتاق ونحوهما وحينئذ إذا أصبح الحالف ولم يشتكه وقع عليه الطلاق الثلاث وبانت زوجته منه بينونة كبرى القائل.
من الدين كشف الستر عن كل كاذب * وعن كل بدعى أتى بالعجائب فلولا رجال مؤمنون لهدمت * صوامع دين الله من كل جانب * (وفتىء) * هذه من أخوات كان الناقصة كما أشرنا إليه ويقال فيها: فتأ كضرب وأفتأ كأكرم، وزعم ابن مالك أنه تكون بمعنى سكن وفتر فتكون تامة وعلى ذلك جاء تفسير مجاهد - للا تفتأ - بلا تفتر عن حبه، وأوله الزمخشري بأنه عليه الرحمة جعل الفتوء والفتور أخوين أي متلازمين لا أنه بمعناه فإن الذي بمعنى فتر وسكن هو فثأ بالمثلثة كما في الصحاح من فثأت القدر إذا سكن غليانها والرجل إذا سكن غضبه، ومن هنا خطأ أبو حيان ابن مالك فيما زعمه وادعى أنه من التصحيف. وتعقب بأن الأمر ليس كما قاله فإن ابن مالك نقله عن الفراء وقد صرح به السر قسطى ولا يمتنع اتفاق مادتين في معنى وهو كثير، وقد جمع ذلك ابن مالك في كتابل سماه - ما اخلتف اعجامه واتفق افهامه - ونقله عنه صاحب القاموس. واستدل بالآية على جواز الحلف بغلبة الظن، وقيل: إنهم علموا ذلك منه ولكنهم نزلوه منزلة المنكر فلذا أكدوه بالقسم أي نقسم بالله تعالى لا تزال ذاكر يوسف متفجعا عليه * (حتى تكون حرضا) * مريضا مسفيا على الهلاك، وقيل: الحرض من اذابه هم أو مرض وجعله مهزولا نحيفا، وهو في الأصل مصدر حرض فهو حرض بكسر الراء، وجاء أحرضني كما في قوله: إني أمرؤ لج بي حب فأحرضني * حتى بليت وحتى شفني السقم ولكونه كذلك في الأصل لا يؤنث ولا يثني ولا يجمع لأن المصدر يطلق على القليل والكثير، وقال ابن إسحق: الحرض الفاسد الذي لا عقل له. وقرىء * (حرضا) * بفتح الحاء وكسر الراء.
وقرأ الحسن البصري * (حرضا) * بضمتين ونحوه من الصفات رجل جنب وغرب * (أو تكون من الهالكينذ أي الميتين، و * (أو) * قيل: يحتمل أن تكون بمعنى بل أو بمعنى إلى، فلا يرد عليه أن حق هذا التقديم على * (حتى تكون حرضا) * فإن كانت للترديد فهي لمنع الخلو والتقديم على ترتيب الوجود كما قيل في قوله تعالى: * (لا تأخذه سنة ولا نوم) * (البقرة: 552) أو لأنه أكثر وقوعا * (قال إنمآ أشكو بثى وحزنى إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) * .
* (قال إنما أشكوا بثي) * البث في الأصل إثارة الشيء وتفريقه كبث الريح التراب واستعمل في الغم الذي لا يطيق صاحبه الصبر عليه كأنه ثقل عليه فلا يطيق حمله وحده فيفرقه على من يعينه، فهو رمصد بمعنى المفعول وفيه استعارة تصريحية. وجوز أن يكون بمعنى الفاعل أي الغم الذي بث الفكر وفرقه، وأياما كان فالظاهر أن القوم قالوا ما قالوا بطريق التسلية والاشكاء فقال في جوابهم: إني لا أشكو ما بي إليكم أو إلى غيركم حتى تتصدوا لتسليتي وإنما أشكو غمي * (وحزني إلى الله) * تعالى متلجئا إلى جنابه متضرعا في دفعه لدى بابه فإنه القادر على ذلك. وفي الخبر عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنوز البر اخفاء الصدقة وكتمان المصائب والأمراض ومن بث لم يصبر " وقرأ الحسن. وعيسى * (حزني) * بفتحتين وقرأ قتادة بضمتين.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»