تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٥٠
المكاره وذلك باختياره وهذا بغير اختياره فهو محسن، وذكر الصبر بعد التقوى من ذكر الخاص بعد العام، ويجوز أن يكون ذلك لإرادة الثبات على التقوى كأنه قيل: من يتق ويثبت على التقوى انتهى.
والوجه الأول: ميل لما ذكره أبو حيان. وتعقب ذلك الطيبي بأن هذه الجملة تعليل لما تقدم وتعريض باخوته بأنهم لم يخافوا عقابه تعالى ولم يصبروا على طاعته عز وجل وطاعة أبيهم وعن المعصية إذ فعلوا ما فعلوا فيكون المراد بالاتقاء الخوف وبالصبر الصبر على الطاعة وعن المعصية ورد بأن التعريض حاصل في التفسير الآخر فكأنه فسره به لئلا يتكرر مع الصبر وفيه نظر. وقرأ قنبل * (من يتقي) * بإثبات الياء، فقيل: هو مجزوم بحذف الياء التي هي لام الكلمة وهذه ياء إشباع؛ وقيل: جزمه بحذف الحركة المقدرة وقد حكوا ذلك لغة، وقيل: هو مرفوع و * (من) * موصول وعطف المجزوم عليه على التوهم كأنه توهم أن * (من) * شرطية و * (يتقي) * مجزوم، وقيل: أن * (يصبر) * مرفوع كيتقي إلا أنه سكنت الراء لتوالي الحركات وإن كان ذلك في كلمتين كما سكنت في * (يأمركم) * و * (يشعركم) * ونحوهما أو للوقف وأجرى الوصل مجرى الوقف، والأحسن من هذه الأقوال كما في " البحر " أن يكون يتقي مجزوما على لغة وإن كانت قليلة، وقول أبي علي: إنه لا يحمل على ذلك لأنه إنما يجىء في الشعر لا يلتفت إليه لأن غيره من رؤساء النحويين حكوه لغة نظما ونثرا.
* (قالوا ت الله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخ‍اطئين) * .
* (قالوا ت الله لقد ءاثرك الله علينا) * أي اختارك وفضلك علينا بالتقوى والصبر، وقيل: بالملك، وقيل: بالصبر والعلم ورويا عن ابن عباس، وقيل: بالحلم والصفح ذكره سليمان الدمشقي، وقال صاحب الغنيان: بحسن الخلق والخلق والعلم والحلم والإحسان والملك والسلطان والصبر على أذانا والأول أولى.
* (وإن) * أي والحال أن الشأن * (كنا لخ‍اطئين) * أي لمتعمدين للذنب إذ فعلنا ما فعلنا ولذلك أعزك وأذلنا، فالواو حالية و * (إن) * مخففة اسمها ضمير الشأن واللام التي في خبر كان هي المزحلقة * (وخاطئين) * من خطىء إذا تعمد وأما أخطأ فقصد الصواب ولم يوفق له، وفي قولهم: هذا من الاستنزال لإحسانه عليه السلام والاعتراف بما صدر منهم في حقه مع الإشعار بالتوبة ما لا يخفى ولذلك.
* (قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) * .
* (قال لا تثريب) * أي لا تأنيب ولا لوم * (عليكم) * وأصله من الثرب وهو الشحم الرقيق في الجوف وعلى الكرش، وصيغة التفعيل للسلب أي إزالة الثرب كالتجليد والتقريع بمعنى إزالة الجلد والقرع، واستعير للوم الذي يمزق الاعراض ويذهب بهاء الوجه لأنه بإزالة الشحم يبدو الهزال وما لا يرضى كما أنه باللوم تظهر العيوب فالجامع بينهما طريان النقص بعد الكمال وإزالة ما به الكمال والجمال وهو اسم * (لا) * و * (عليكم) * متعلق بمقدر وقع خبرا، وقوله تعالى: * (اليوم) * متعلق بذلك الخبر المقدر أو بالظرف أي لا تثريب مستقر عليكم اليوم، وليس التقييد به لإفادة وقوع التثريب في غيره فإنه عليه السلام إذا لم يثرب أول لقائه واشتعال ناره فبعده بطريق الأولى. وقال المرتضى: إن * (اليوم) * موضوع موضع الزمان كله كقوله: اليوم يرحمنا من كان يغبطنا * واليوم نتبع من كانوا لنا تبعا كأنه أريد بعد اليوم، وجوز الزمخشري تعلقه - بتثريب - وتعقبه أبو حيان قائلا: لا يجوز ذلك لأن التثريب مصدر وقد فصل بينه وبين معموله - بعليكم - وهو إما خبر أو صفة ولا يجوز الفصل بينهما بنحو ذلك لأن
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»