تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٥٩
ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه عليه السلام لما رأى سجود أبويه وإخوته له هاله ذلك واقشعر جلده منه، ولا يبعد أن يكون ذلك من تمام تشديد الله تعالى على يعقوب عليه السلام كأنه قيل. له: أنت كنت دائم الرغبة في وصاله والحزن على فراقه فإذا وجدته فاسجد له. ويحتمل أيضا أنه عليه السلام إنما فعله مع عظم قدره لتتبعه الإخوة فهي لأن الأنفة ربما حملتهم على الأنفة منه فيجر إلى ثوران الأحقاد القديمة وعدم عفو يوسف عليه السلام. ولا يخفى أن الجواب عن الأول لا يفيد لما علمت أن مبناه موافقة الظاهر، والاحتمالات المذكورة في الجواب عن الثاني قد ذكرها أيضا الإمام وهي كما ترى، وأحسنها احتمال أن الله تعالى قد أمره بذلك لحكمة يعلمها إلا هو. ومن الناس من ذهب إلى أن ذلك السجود لم يكن إلا من الأخوة فرارا من نسبته إلى يعقوب عليه السلام لما علمت، وقد رد بما أشرنا إليه أولا من أن الرؤيا تستدعي العموم، وقد أجاب عن ذلك الإمام بأن تعبير الرؤيا لا يجب أن يكون مطابقا للرؤيا بحسب الصورة والصفة من كل الوجوه فسجود الكواكب والشمس والقمر يعبر بتعظيم الأكابر من الناس له عليه السلام، ولا شك أن ذهاب يعقوب وأولاده من كنعان إلى مصر لأجله في نهاية التعظيم له فكفى هذا القدر في صحة الرؤيا فأما أن يكون التعبير كالأصل حذو القذة بالقذة فلم يوجبه أحد من العقلاء اه‍، والحق أن السجود بأي معنى كان وقع من الأبوين والإخوة جميعا والقلب يميل إلى أنه كان انحناء كتحية الأعاجم وكثير من الناس اليوم ولا يبعد أن يكون ذلك بالخرور ولا بأس في أن يكون من الأبوين وهما على سرير ملكه ولا يأبى ذلك رؤياه عليه السلام * (من قبل) * أي من قبل سجودكم هذا أو من قبل هذه الحوادث والظرف متعلق - برؤياي - وجوز تعلقها بتأويل - لأنها أولت بهذا قبل وقوعها، وجوز أبو البقاء كونه متعلقا بمحذوف وقع حالا من * (رؤياي) * وصحة وقوع الغايات حالا تقدم الكلام فيها * (قد جعلها ربي حقا) * أي صدقا، والرؤيا توصف بذلك ولو مجازا، وأعربه جمع على أنه مفعول ثان لجعل وهي بمعنى صير، وجوز أن يكون حالا أي وضعها صحيحة وأن يكون صفة مصدر محذوف أي جعلا حقا وأن يكون مصدرا من غير لفظ الفعل بل من معناه لأن جعلها في معنى حققها و * (حقا) * في معنى تحقيق، والجملة على ما قال أبو البقاء حال مقدرة أو مقارنة * (وقد أحسن بي) * الأصل كما في " البحر " أن يتعدى الإحسان بإلى أو اللام كقوله تعالى: * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * (القصص: 77) بالباء كقوله تعالى: * (وبالوالدين إحسانا) * (البقرة: 83).
اسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت وحمله بعضهم على تضمين * (أحسن) * معنى لطف ولا يخفى ما فيه من اللطف إلا أن بعضهم أنكر تعدية - لطف - بالباء وزعم أنه لا يتعدى إلا باللام فيقال: لطف الله تعالى له أي أوصل إليه مراده بلطف وهذا ما في القاموس لكن المعروف في الاستعمال تعديه بالباء وبه صرح في الأساس وعليه المعول، وقيل: الباء بمعنى إلى، وقيل: المفعول محذوف أي أحسن صنمعه بي فالباء متعلقة بالمعفول المحذوف، وفيه حذف المصدر وإبقاء معموله وهو ممنوع عند البصريي، وقوله: * (إذ أخرجني من السجن) * منصوب - بأحسن - أو بالمصدر المحذوف عند من يرى جواز ذلك وإذا كانت تعليلية فالإحسان هو الإخراج من السجن بعد أن ابتلى به
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»