تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٤٥
في البلاء ويحمده في الرخاء.
وذكر الإمام أن اليأس لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أن الإله غير قادر على الكمال أو غير عالم بجميع المعلومات أو ليس بكريم، واعتقاد كل من هذه الثلاث يوجب الكفر فإذاكان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحدها وكل منها كفر ثبت أن اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافرا، واستدل بعض أصحابنا بالآية على أن اليأس من رحمة الله تعالى كفر، وادعى أنها ظاهرة في ذلك.
وقال الشهاب: ليس فيها دليل على ذلك بل هو ثابت بدليل آخر، وجمهور الفقهاء على أن اليأس كبيرة ومفادة الآية أنه من صفات الكفار لا أن من ارتكبه كان كافرا بارتكابه، وكونه لا يحصل إلا عند حصول أحد المكفرات التي ذكرها الإمام مع كونه في حيز المنع لجواز أن ييأس من رحمه الله تعالى إياه مع إيمانه بعموم قدرته تعالى وشمول علمه وعظم كرمه جل وعلا لمجرد استعظام ذنبه مثلا واعتقاده عدم أهليته لرحمة الله تعالى من غير أن يخطر له أدنى ذرة من تلك الاعتقادات السيئة الموجبة للكفر لا يستدعي أكث من اقتضائه سابقية الكفر دون كون ارتكابه نفسه كفرا كذا قيل، وقيل: الأولى التزام القول بأن اليأس قد يجامع الايمان وأن القول بأنه لا يحصل إلا بأحد الاعتقادات المذكورة غير بين ولا مبين.
نعم كونه كبيرة مما لا شك فيه بل جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه تعالى عنه أنه أكبر الكبائر، وكذا القنوط وسوء الظن، وفرقوا بينها بأن اليأس عدم أمل وقوع شيء من أنواع الرحمة له، والقنوط هو ذاك مع انضمام حالة هي أشد منه في التصميم على عدم الوقوع، وسوء الظن هو ذاك مع انضمام أنه مع عدم رحمته له يشدد له العذاب كالكفار. وذكر ابن نجيم في بعض رسائله ما به يرجع الخلاف بين من قال: إن اليأس كر ومن قال: إنه كبيرة لفظيا فقال: قد ذكر الفقهاء من الكبائر الأمن من مكر الله تعالى واليأس من رحمته وفي العقائد واليأس من رحمة الله تعالى كفر فيحتاج إلى التوفيق. والجواب أن المراد باليأس إنكار سعة الرحمة للذنوب، ومن الأمن الاعتقاد أن لا مكر، ومراد الفقهاء من اليأس اليأس لاستعظام ذنوبه واستبعاد العفو عنها، ومن الأمن الأمن لغلبة الرجاء عليه بحيث دخل في حد الأمن ثم قال. والأوفق بالسنة طريق الفقهاء لحديث الدارقطني عن ابن عباس مرفوعا حيث عدها من الكبائر وعطفها على الإشراك بالله تعالى اه‍ وهو تحقيق نفيس فليفهم.
* (فلما دخلوا عليه قالوا ياأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينآ إن الله يجزى المتصدقين) * .
* (فلما دخلوا عليه) * أي على يوسف عليه السلام بعد ما رجعوا إلى مصر بموجب أمر أبيهم، وإنما لم يذكر إيذانا بمسارعتهم إلى ما أمروا به وإشعارا بأن ذلك أمر محقق لا يفتقر إلى الذكر والبيان. وأنكر اليهود رجوعهم بعد أخذ بنيامين إلى أبيهم ثم عودهم إلى مصر وزعموا أنهم لما جاؤا أولا للميرة اتهمهم بأنهم جواسيس فاعتذروا وذكروا أنهم أولاد نبي الله تعالى يعقوب وأنهم كانوا اثني عشر ولدا هلك واحد منهم وتخلف أخوه عند أبيهم يتسلى به عن الهالك حيث أنه كان يحبه كثيرا فقال: ائتوني به لأتحقق صدقكم وحبس شمعون عنده حتى يجيؤا فلما أتوا به ووقع من أمر السرقة أظهر والخضوع والانكسار فلم يملك عليه السلام نفسه حتى تعرف إليهم ثم أمرهم بالعود إلى أبيهم ليخبروه الخبر ويأتوا به وهو الذي تضمنته نوراتهم اليوم وما بعد الحق إلا الضلال * (قالوا يا أيها العزيز) * خاطبوه بذلك تعظيما له على حد خطابهم السابق به على ما هو الظاهر، وهل كانوا يعرفون اسمه أم لا، لم أر من تعرض
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»