تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٤٤
* (وأعلم من الله) * اي من لطفه ورحمته * (ما لا تعلمون) * فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ولا يخيب رجائي، فالكلام على حذف مضاف و * (من) * بيانية قدمت على المبين وقد جوزه النحاة. وجوز أن تكون ابتدائية أي أعلم ويحا أو الهاما أو بسبب من أسباب العلم من جهته تعالى ما لا تعلمون من حياة يوسف عليه السلام.
قيل: إنه عليه السلام علم ذلك من الرؤيا حسبما تقدم، وقيل إنه رأى ملك الموت في المنام فأخبره أن يوسف حي ذكره غيره واحد ولم يذكروا له سندا والمروى عن ابن أبي حاتم عن النضر أنه قال: بلغني أن يعقوب عليه السلام مكث أربعة وعشرين عاما لا يدري أيوسف عليه السلام حي أم ميت حتى تمثل له ملك الموت عليه السلام فقال له: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت فقال: أنشدك باله يعقوب هل قبضت روح يوسف؟ قال: لا فعند ذلك قال عليه السلام:
* (يابنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تاي‍اسوا من روح الله إنه لا ياي‍اس من روح الله إلا القوم الك‍افرون) * .
* (يا بني اذهبوا فتحسسوا) * أي فتعرفوا، وهو تفعل من الحس وهو في الأصل الإدراك بالحاسة، وكذا أصل التحسس طلب الإحساس، واستعماله في التعرف استعمال له في لازم معناه وقريب منه التجسس بالجيم، وقيل: إنه به في الشر وبالحاء في الخير ورد بأنه، قرىء هنا * (فتجسسوا) * بالجيم أيضا، وقال الراغب: أصل الجس مس العرق وتعرف نبضه للحكم به على الصحة والمرض وهو أخص من الحس فإنه تعرف ما يدركه الحس والجس تعرف حال ما من ذلك * (من يوسف وأخيه) * أي من خبرهما، ولم يذكر الثالث لأن غيبته اختيارية لا يعسر إزالتها، وعلى فرض ذلك الداعية فيهم للتحسس منه لكونه أخاهم قوية فلا حاجة لأمرهم بذلك، والجار متعلق بما عنده وهو بمعنى عن بناء على ما نقل عن ابن الأنباري أنه لا يقال: تحسست من فلان، وإنما يقال: تحسست عنه، وجوز أن تكون للتبعيض على معنى تحسوا خبرا من أخبار من أخبار يوسف وأخيه.
* (ولا تيأسوا من روح الله) * أي لا تقنطوا من فرجه سبحانه وتنفيسه، وأصل معنى الروح بالفتح كما قال الراغب التنفس يقال: أراح الإنسان إذا تنفس ثم استعير للفرج كما قيل: له تنفيس من النفس.
وقرأ عمر بن عبد العزيز. والحسن. وقتادة * (روح) * بالضم، وفسر بالرحمة على أنه استعارة من معناها المعروف لأن الرحمن سبب الحياة كالروح وإضافتها إلى الله تعالى لأنها منه سبحانه، وقال ابن عطية كأن معنى هذه القراءة لا تيأسوا من حي معه روح الله الذي وهبه فإن كل من بقيت روحه يرجى، ومن هذا قوله: وفي غير من قدورات الأرض فاطمع وقول عبيد بن الأبرص: وكل ذي غيبة يؤب * وغائب الموت لا يؤب وقرأ أبي * (من رحمة الله) * وعبد الله * (من فضل الله) * وكلاهما عند أبي حيان تفسير لا قراءة. وقرىء * (تأيسوا) *.
وقرأ الأعرج * (تيئسوا) * بكسر التاء والأمر والنهي على ما قيل إرشاد لهم إلى بعض ما أبهم في قوله: * (وأعلم من الله ما لا تعلمون) * (يوسف: 86) ثم إنه عليه السلام حذرهم عن ترك العمل بموجب نهيه بقوله: * (انه) * أي الشأن * (لا ييأس من روح الله إلا القوم الك‍افرون) * لعدم علمه بالله تعالى وصفاته فإن العارف لا يقنط في حال من الأحوال أو تأكيدا لما يعلمونه من ذلك، قال ابن عباس: إن المؤمن من الله تعالى على خير يرجوه
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»