تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٤٩
تعيين سبب معرفتهم إياه عليه السلام فقيل: عرفوه بروائه وشمائله وكان قد أدناهم إليه ولم يدنهم من قبل، وقيل: كان يكلمهم من وراء حجاب فلما أراد التعرف إليهم رفعه فعرفوه، وقيل: تبسم فعرفوه بثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم وكان يضىء ما حواليه من نور تبسمه، وقيل: إنه عليه السلام رفع التاج عن رأسه فنظروا إلى علامة بقرنه كان ليعقوب. وإسحاق. وسارة مثلها تشبه الشامة البيضاء فعرفوه بذلك، وينضم إلى كل ذلك علمهم أن ما خاطبهم به لا يصدر مثله إلا عن حنيف مسلم من سنخ إبراهيم لا عن بعض أعزاء مصر، وزعم بعضهم أنهم إنما قالوا ذلك على التوهم ولم يعرفوه حتى أخبر عن نفسه * (قال أنا يوسف) * والمعول عليه ما تقدم وهذا جواب عن مساءلتهم وزاد عليه قوله: * (وه‍اذا أخي) * أي من أبوي مبالغة في تعريف نفسه، قال بعض المدققين: إنهم سألوه متعجبين عن كونه يوسف محققين لذلك مخيلين لشدة التعجب أنه ليس إياه فأجابهم بما يحقق ذلك مؤكدا، ولهذا لم يقل عليه السلام: بلى أو أنا هو فأعاد صريح الاسم * (وهذا أخي) * بمنزلة أنا يوسف لا شبهة فيه على أن فيه ما يبنيه عليه من قوله: * (قد من الله علينا) * وجوز الطيبي أن يكون ذلك جاريا على الأسلوب الحكيم كأنهم لما سألوه متعجبين أنت يوسف؟ أجاب لا تسألوا عن ذلك فإنه ظاهر ولكن اسألوا ما فعل الله تعالى بك من الامتنان والإعزاز وكذلك بأخي وليس من ذاك في شيء كما لا يخفى. وفي إرشاد العقل السليم أن في زيادة الجواب مبالغة وتفخيما لشأن الأخ وتكملة لما أفاده قوله: * (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه) * (يوسف: 89) حسبما يفيده * (قد من) * الخ فكأنه قال: هل علمتم ما فعلتم بنا من التفريق والإذلال فأنا يوسف وهذا أخي قد من الله تعالى علينا بالخلاص عما ابتلينا به والاجتماع بعد الفرقة والعزة بعد الذلة والأنس بعد الوحشة. ولا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى الجواب عن طلبهم لرد بنيامين بأنه أخي لا أخوكم فلا وجه لطلبكم انتهى وفيه ما فيه. وجملة * (قد من) * الخ عند أبي البقاء مستأنفة، وقيل: حال من * (يوسف) * و * (أخي) * وتعقب بأن فيه بعدا لعدم العامل في الحال حينئذ، ولا يصح أن يكون * (هذا) * لأنه إشارة إلى واحد وعلينا راجع إليهما جميعا * (إنه) * أي الشأن * (من يتق) * أي يفعل التقوى في جميع أحواله أو يق نفسه عما يوجب سخط الله تعالى وعذابه * (ويصبر) * على البلايا والمحن أو على مشقة الطاعات أو عن المعاصي التي تستلذها النفس * (فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) * أي أجرهم، وإنما وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على أن المنعوتين بالتقوى والصبر موصوفون بالإحسان، والجملة في موضع العلة للمن. واختار أبو حيان عدم التخصيص في التقوى والصبر، وقال مجاهد. المراد من يتق في ترك المعصية ويصبر في السجن، والنخعي من يتق الزنا ويصبر على العزوبة، وقيل: من يتق المعاصي ويصبر على أذى الناس، وقال الزمخشري: المراد من يخف الله تعالى ويصبر عن المعاصي وعلى الطاعات. وتعقبه صاحب الفرائد بأن فيه حمل من يتق على المجاز ولا مانع من الحمل على الحقيقة والعدول عن ذلك إلى المجاز من غير ضرورة غير جائز فالوجه أن يقال: من يتق من يحترز عن ترك ما أمر به وارتكاب ما نهى عنه ويصبر في
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»