تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٥١
معمول المصدر من تمامه، وأيضا لو كان متعلقا به لم يجز بناؤه لأنه حينئذ من قبيل المشبه بالمضاف وهو الذي يسمى المطول والممطول فيجب أن يكون معربا منونا، ولو قيل: الخبر محذوف و * (عليكم) * متعلق بمحذوف يدل عليه تثريب وذلك المحذوف هو العامل في * (اليوم) * والتقدير لا تثريب يثرب عليكم اليوم كما قدروا في * (لا عاصم اليوم من أمر الله) * (هود: 43) أي لا عاصم يعصم اليوم لكان وجها قويا لأن خبر * (لا) * إذا علم كثر حذفه عند أهل الحجاز ولم يلفظ به بنو تميم، وكذا منع ذلك أبو البقاء وعلله بلزوم الإعراب والتنوين أيضا، واعترض بأن المصرح به في متون النحو بأن شبيه المضاف سمع فيه عدم التنوين نحو لا طالع جبلا ووقع في الحديث " لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت " باتفاق الرواة فيه وإنما الخلاف فيه هل هو مبني أو معرب ترك تنوينه، وفي التصريح نقلا عن المغني أن نصب الشبيه بالمضاف وتنوينه هو مذهب البصريين، وأجاز البغداديون لا طالع جبلا بلا تنوين أجروه في ذلك مجرى المضاف كما أجروه مجراه في الإعراب وعليه يتخرج الحديث " لا مانع " الخ.
فيمكن أن يكون مبني ما قاله أبو حيان وغيره مذهب البصريين، والحديث المذكور لا يتعين - كما قال الدنوشرى أخذا من كلام المغني في الجهة الثانية من الباب الخامس - حمله على ما ذكر لجواز كون اسم * (لا) * فيه مفردا واللام متعلقة بالخبر والتقدير لا مانع مانع لما أعطيت وكذا فيما بعده. وذكر الرضي أن الظرف بعد النفي لا يتعلق بالمنفي بل بمحذوف وهو خبر وأن * (اليوم) * في الآية معمول * (عليكم) * ويجوز العكس، واعترض أيضا حديث الفصل بين المصدر ومعموله بما فيه ما فيه، وقيل: * (عليكم) * بيان كلك في سقيا لك فيتعلق بمحذوف و * (اليوم) * خبر.
وجوز أيضا كون الخبر ذاك و * (اليوم) * متعلقا بقوله: * (يغفر الله لكم) * ونقل عن المرتضى أنه قال في " الدرر ": قد ضعف هذا قوم من جهة أن الدعاء لا ينصب ما قبله ولم يشتهر ذلك، وقال ابن المنير: لو كان متعلقا به لقطعوا بالمغفرة بإخبار الصديق ولم يكن كذلك لقوله: * (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا) * (يوسف: 97) وتعقب بأنه لا طائف تحته لأن المغفرة وهي ستر الذنوب يوم القيامة حتى لا يؤاخذوا به ولا يقرعوا إنما يكون ذلك الوقت وأما قبله فالحاصل هو الإعلام به والعلم بتحقق وقوعه بخبر الصادق لا يمنع الطلب لأن الممتنع طلب الحاصل لا طلب ما يعلم حصوله، على أنه يجوز أن يكون هضما للنفس واعتبر باستغفار الأنبياء عليهم السلام، ولا فرق بين الدعاء والإخبار هنا انتهى.
وقد يقال أيضا: إن الذي طلبوه من أبيهم مغفرة ما يتعلق به ويرجع إلى حقه ولم يكن عندهم علم بتحقق ذلك، على أنه يجوز أن يقال: إنهم لم يعتقدوا إذ ذاك نبوته وظنوه مثلهم غير نبي فإنه لم يمض وقت بعد معرفة أنه يوسف يسع معرفة أنه نبي أيضا وما جرى من المفاوضة لا يدل على ذلك فافهم، وإلى حمل الكلام على الدعاء ذهب غير واحد وذهب جمع أيضا إلى كونه خبرا. والحكم بذلك مع أنه غيب قيل: لأنه عليه السلام صفح عن جريمتهم حينئذ وهم قد اعترفوا بها أيضا فلا محالة أنه سبحانه يغفر لهم ما يتعلق به تعالى وما يتعلق به عليه السلام بمقتضى وعده جل شأنه بقبول توبة العباد، وقيل: لأنه عليه السلام قد أوحى إليه بذلك، وأنت تعلم أن أكثر القراء على الوقف على * (اليوم) * وهو ظاهر في عدم تعلقه - بيغفر - وهو اختيار الطبري. وابن إسحاق. وغيرهم واختاروا كون الجملة بعد دعائية وهو الذي يميل إليه الذوق والله تعالى أعلم * (وهو أرحم الرحمين) * فإن كل من يرحم سواه جل وعلا فإنما يرحم برحمته سبحانه مع كون ذلك مبنيا على جلب نفع أو دفع ضر ولا أقل من دفع ما يجده في نفسه من التألم الروحاني مما يجده في المرحوم، وقيل: لأنه تعالى يغفر الصغائر
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»