تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٤٧
أخذ الصدقة مطلقا بل المحرم إنما هو أخذ الصدقة المفروضة وما هنا ليس منها، والظاهر كما قال الزمخشري: أنهم تمسكنوا له عليه السلام بقولهم: * (مسنا) * الخ وطلبوا إليه يتصدق عليهم بقوله: * (وتصدق علينا) * فلو لم يحمل على الظاهر لما طابقه ذلك التمهيد ولا هذا التوطيد أعني * (إن الله يجزى المتصدقين) * بذكر الله تعالى وجزائه الحاملين على ذلك وإن فاعله منه تعالى بمكان.
قال النقاش: وفي العدول عن إن الله تعالى يجزيك بصدقتك إلى ما في النظم الكريم مندوحة عن الكذب فهو من المعاريض، فإنهم كانوا يعتقدونه ملكا كافرا وروى مثله عن الضحاك، ووجه عدم بدءهم بما أمروا به على القول بخلاف الظاهر في متعلق التصدق بأن فيما سلكوه استجلابا للشفقة والرحمة فكأنهم أرادوا أن يملأوا حياض قلبه من نميرها ليسقوا به أشجار تحسسهم لتثمر لهمغرض أبيهم، ووجهه بعضهم بمثل هذا ثم قال: على أن قولهم * (وتصدق) * الخ كلام ذو وجهين فإنه يحتمل الحمل على المحملين فلعله عليه السلام حمله على طلب الرد ولذلك * (قال) * مجيبا عما عرضوا به وضمنوه كلامهم من ذلك:
* (قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم ج‍اهلون) * .
* (هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه) * وكان الظاهر على هذا الاقتصار على التعرض بما فعل مع الأخ إلا أنه عليه السلام تعرض لما فعل به أيضا لاشتراكهما في وقوع الفعل عليهما، فإن المراد بذلك إفرادهم له عنه وإذلاله بذلك حتى كان لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وطلة، والاستفهام ليس عن العلم بنفس ما فعلوه لأن الفعل الإرادي مسبوق بالشعور لا محالة بل هو عما فيه من القبح بدليل قوله: * (إذ أنتم جاهلون) * أي هل علمتم قبح ما فعلتموه زمان جهلكم قبحه وزال ذلك الجهل أم لا؟ وفيه من إبداء عذرهم وتلقينهم إياه ما فيه كما في قوله تعالى: * (ما غرك بربك الكريم) * (الإنفطار: 6) والظاهر لهذا أن ذلك لم يكن تشفيا بل حث على الإقلاع ونصح لهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم ما رأى مع خفي معاتبة على وجود الجهل وأنه حقيق الانتفاء في مثلهم، فلله تعالى هذا الخلق الكريم كيف ترك حظه من التشفي إلى حق الله تعالى على وجه يتضمن حق الأخوتين أيضا والتلطف في اسماعه مع التنبيه على أن هذا الضر أولى بالكشف، قيل: ويجوز أن يكون هذاالكلام منه عليه السلام منقطعا عن كلامهم وتنبيها لهم عما هو حقهم ووظيفتهم من الإعراض عن جميع المطالب والتمحض لطلب بنيامين، بل يجوز أن يقف عليه السلام بطريق الوحي أو الإلهام على وصية أبيه عليه السلام وإرساله إياهم للتحسس منه ومن أخيه فلما رآهم قد اشتغلوا عن ذلك قال ما قال، والظاهر أنه عليه السلام لما رأى ما رأى منهم وهو من أرق خلق الله تعالى قلبا وكان قد بلغ الكتاب أجله شرع في كشف أمره فقال ما قال. روى عن ابن إسحق أنهم لما استعطفوه رق لهم ورحمهم حتى أنه ارفض دمعه باكيا ولم يملك نفسه فشرع في التعرف لهم، وأراد بما فعلوه به جميع ما جرى وبما فعلوه بأخيه أداهم له وجفاءهم إياه وسوء معاملتهم له وإفرادهم له كما سمعت، ولم يذكر لهم ما آذوا به أباهم على ما قيل تعظيما لقدره وتفخيما لشأنه أن يذكره مع نفسه وأخيه مع أن ذلك من فروع ما ذكر، وقيل: إنهم أدوا إليه كتابا من أبيهم وصورته كما في " الكشاف " من يعقوب إسرائيل الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء، أما جدي فشدت يداه ورجلاه ورمى به في النار ليحرق فنجاه الله تعالى وجعلت النار عليه بردا وسلاما، وأما
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»