تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٣٧
في البراح بالانصراف إليه * (أو يحكم الله لي) * بالخروج منها على وجه لا يؤدي إلى نقض الميثاق أو بخلاص أخي بسبب من الأسباب، قال في " البحر " إنه غيا ذلك بغايتين خاصة وهي إذن أبيه وعامة وهي حكم الله تعالى له وكأنه بعد أن غيا بالأولى رجع وفوض الأمر إلى من له الحكم حقيقة جل شأنه، وأراد حكمه سبحانه بما يكون عذرا له ولو الموت، والظاهر أن أحب الغايتين إليه الأولى فلذا قدم * (لي) * فيها وأخره في الثانية فليفهم * (وهو خير الحاكمين) * إذ لا يحكم سبحانه إلا بالحق والعدل.
* (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا ياأبانا إن ابنك سرق وما شهدنآ إلا بما علمنا وما كنا للغيب ح‍افظين) * .
* (ارجعوا إلى أبيكم فقولوا) * له * (يا أبانا إن ابنك سرق) * الظاهر أن هذا القول من تتمة كلام كبيرهم وقيل: هو من كلام يوسف عليه السلام وفيه بعد كما أن الظاهر أنهم أرادوا أنه سرق في نفس الأمر. * (وما شهدنا) * عليه * (إلا بما علمنا) * من سرقته وتبقيناه حيث استخرج صواع الملك من رحله.
* (وما كنا للغيب ح‍افظين) * وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الميثاق أو ما علمنا أنك ستصاب به كما أصبت بيوسف. وقرأ الضحاك * (سارق) * باسم الفاعل.
وقرأ ابن عباس. وأبو رزين. والكسائي في رواية * (سرق) * بتشديد الراء مبنيا للمفعول أي نسب إلى السرقة فمعنى * (وما شهدنا) * الخ وما شهدنا إلا بقدر ما علمنا من التسريق وما كنا للأمر الخفي بحافظين أسرق بالصحة أم دس الصواع في رحله ولم يشعر. واستحسنت هذه القراءة لما فيها من التنزيه كذا قالوا، والظاهر أن القول باستفادة اليقين من استخراج الصواع من رحله مما لا يصح فكيف يوجب اليقين، واحتمال أنه دس فيه من غير شعور قائم جعل مجرد وجود الشيء في يد المدعى عليه بعد إنكاره موجبا للسرق في شرعهم أولا، قيل: فالوجه أن الظن البين قائم مقام العلم، ألا ترى أن الشهادة تجوز بناء على الاستصحاب ويسمى علما كقوله تعالى: * (فإن علمتموهن مؤمنات) * (الممتحنة: 10) وإنما جزموا بذلك لبعد الاحتمالات المعارضة عندهم، وإذا جعل الحكم بالسرقة وكذا علمهم أيضا مبنيا على ما شاهدوا من ظاهر الأمر اتحدت القراءتان ويفسر * (وما كنا) * الخ بما فسر به على القراءة الأخيرة، وقيل: معنى * (ما شهدنا) * الخ ما كانت شهادتنا في عمرنا على شيء إلا بما علمنا وليست هذه شهادة منا إنما هي خبر عن صنيع ابنك بزعمهم * (وما كنا) * الخ كما هو وهو ذهاب أيضا إلى أنهم غير جازمين. وفي " الكشف " الذي يشهد له الذوق أنهم كانوا جازمين وقولهم: إن يسرق فقد سرق تمهيد بين، وادعاء العلم لا يلزم العلم فإن كان لبعد الاحتمالات المعارضة فلا يكون كذبا محرما وإلا فغايته الكذب في دعوى العلم وليس بأول كذباتهم، وكان قبل أن تنبؤا ولهذا خونهم الأب في هذه أيضا، على أن قولهم: * (جزاؤه من وجد في رحله) * (يوسف: 75) مؤكدا ذلك التأكيد يدل على أنهم جعلوا الوجدان في الرحل قاطعا وإلا كان عليهم أن يقولوا: جزاؤه من وجد في رحله متعديا أو سارقا ونحوه، فإن يحتمل عنهم الحزم هنالك فلم لا يحتمل ههنا اه‍ وفيه مخالفة لبعض ما نحن عليه، وكذا لما ذكرناه في تفسير * (جزاؤه) * الخ، ولعل الأمر في هذا هين. ومن غريب التفسير أن معنى قولهم: * (للغيب) * لليل وهو بهذا المعنى في لغة حمير وكأنهم قالوا: (وما شهدنا إلا بما علمنا - من ظاهر حاله - وما كنا لليل حافظين) أي لا ندري ما يقع فيه فلعله سرق فيه أو دلس عليه، وأنا لا أدري ما الداعي إلى هذا التفسير مع تبلج صبح المعنى المشهور؛ وأيا ما كان
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»