تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٤٦
لذلك فإن كانوا يعرفون ازداد أمر جهالتهم غرابة، والمراد على ما قال الإمام وغيره يا أيها الملك القادر المنيع * (مسنا وأهلنا الضر) * الهزال من شدة الجوع، والمراد بالأهل ما يشمل الزوجة وغيرها * (وجئنا ببضاعة مزجية) * مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقارا، من أزجيته إذا دفعته وطردته والريح تزجي السحاب، وأنشدوا لحاتم: ليبك على ملحان ضيف مدفع * وأرملة تزجى مع الليل أرملا وكنى بها عن القليل أو الردىء لأنه لعدم الاعتناء يرمى ويطرح، وقيل: كانت بضاعتهم من متاع الأعراب صوفا وسمنا، وقيل: الصنوبر وحبة الخضراء وروى ذلك عن أبي صالح. وزيد بن أسلم، وقيل: سويق المقل والأقط، وقيل: قديد وحش، وقيل: حبالا وإعدالا وأحقابا، وقيل: كانت دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة، وروى ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والمروى عن الحسن تفسيرها بقليلة لا غير، وعلى كل - فمزجاة - صفة حقيقية للبضاعة، وقال الزجاج: هي من قولهم: فلان يزجى العيش أي يدفع الزمان بالقليل، والمعنى إنا جئنا ببضاعة يدفع بها الزمان وليس مما ينتفع بها، والتقدير على هذا ببضاعة مزجاة بها الأيام أي تدفع بها ويصير عليها حتى تنقضي كما قيل: درج الأيام تندرج * وبيوت الهم لا تلج وما ذكر أولا هو الأولى، وعن الكلبي أن * (مزجاة) * من لغة العجم، وقيل: من لغط القبط. وتعقب ذلك ابن الانباري بأنه لا ينبغي أن يجعل لفظ معروف الاشتقاق والتصريف منسوبا إلى غير لغة العرب فالنسبة إلى ذلك مزجاة.
وقرأ حمزة. والكسائي * (مزجية) * بالإمالة لأن أصلها الياء، والظاهر أنهم إنما قدموا هذا الكلام ليكون ذريعة إلى إسعاف مرامهم ببعث الشفقة وهز العطف والرأفة وتحريك سلسلة الرحمة ثم قالوا: * (فأوف لنا الكيل) * أي أتمه لنا ولا تنقصه لقلة بضاعتنا أو رداءتها، واستدل بهذا على أن الكيل على البائع ولا دليل فيه * (وتصدق علينا) * ظاهره بالإيفاء أو بالمسامحة وقبول المزجاة أو بالزيادة على ما يساويها.
وقال الضحاك. وابن جريج. إنهم أرادوا تصدق علينا برد أخينا بنيامين على أبيه، قيل: وهو الأنسب بحالهم بالنسبة إلى أمر أبيهم وكأنهم أرادوا تفضل علينا بذلك لأن رد الأخ ليس بصدقة حقيقة، وقد جاءت الصدقة بمعنى التفضل كما قيل، ومنه تصدق الله تعالى على فلان بكذا، وأما قول الحسن لمن سمعه يقول: اللهم تصدق على إن الله تعالى لا يتصدق إنما يتصدق من يبغي الثواب قل: اللهم أعطني أو تفضل على أو ارحمني فقد رد بقوله صلى الله عليه وسلم: " صدقة تصدق الله تعالى بها عليكم فاقبلوا صدقته " وأجيب عنه مجازا ومشاكلة، وإنما رد الحسن على القائل لأنه لم يكن بليغا كما في قصة المتوفي، وادعى بعضهم تعين الحمل على المجاز أيضا إذا كان المراد طلب الزيادة على ما يعطي بالثمن بناء على أن حرمة أخذ الصدقة ليست خاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه سفيان بن عيينة بل هي عامة له عليه الصلاة والسلام ولمن قبله من الأنبياء عليهم السلام وآلهم كما ذهب إليه البعض، والسائلون من إحدى الطائفتين لا محالة، وتعقب بأنا لو سلمنا العموم لا نسلم أن المحرم
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»