تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٥٨
في التركيب معنى الدعاء وإلى ذلك ذهب العلامة الطيبي، وقال في " الكشف ": إن فيه إشارة إلى أن الكيفية مقصودة بالأمر كما إذا قلت: ادخل ساجدا كنت آمرا بهما وليس في إشارة إلى أن في التركيب معنى الدعاء فليس المعنى على ذلك، والحق مع العلامة كما لا يخفى، وزعم صاحب الفرائد أن التقدير ادخلوا مصر إن شاء الله دخلتم آمنين، فآمنين متعلق بالجزاء المحذوف لا يفتقر إلى التقديم والتأخير وإلى أن يجعل الجزائية معترضة، وتعقب بأنه لا ارتياب أن هذا الاستثناء في أثناء الكلام كالتسمية في الشروع فيه للتيمن والتبرك واستعماله مع الجزاء كالشريعة المنسوخة فحسن موقعه فيالكلام أن يكون معترضا فافهم.
* (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت ه‍اذا تأويل رؤي‍اىمن قبل قد جعلها ربى حقا وقد أحسن بىإذ أخرجنى من السجن وجآء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيط‍ان بينى وبين إخوتىإن ربى لطيف لما يشآء إنه هو العليم الحكيم) * .
* (ورفع أبويه) * عند نزولهم بمصر * (على العرش) * على السرير كما قال ابن عباس. ومجاهد. وغيرهما تكرمة لهما فوق ما فعله بالإخوة * (وخروا له) * أي أبواه وإخوته، وقيل: الضمير للإخوة فقط وليس بذاك فإن الرؤيا تقتضي أن يكون الأبوان والإخوة خروا له * (سجدا) * أي على الجباه كما هو الظاهر، وهو كما قال أبو البقاء حال مقدرة لأن السجود يكون بعد الخرور وكان ذلك جائزا عندهم وهو جار مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد ونحوها من عادات الناس الفاشية في التعظيم والتوقير، قال قتادة: كان السجود تحية الملوك عندهم وأعطى الله تعالى هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة كرامة منه تعالى عجلها لهم، وقيل: ما كان ذلك إلا إيماء بالرأس، وقيل: كان كالركوع البالغ دون وضع الجبهة على الأرض، وقيل: المراد به التواضع ويراد بالخرور المرور كما في قوله تعالى: * (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) * (الفرقان: 73) فقد قيل: المراد لم يمروا عليها كذلك، وأنت تعلم أن اللفظ ظاهر في السقوط، وقيل: ونسب لابن عباس أن المعنى خروا لأجل يوسف سجدا لله شكرا على ما أوزعهم من النعمة، وتعقب بأنه يرده قوله تعالى:
* (وقال يا أبت هذا تأويل رءياي) * إذ فيها * (رأيتهم لي ساجدين) * (يوسف: 4)، ودفع بأن القائل به يجعل اللام للتعليل فيهما، وقيل: اللام فيهما بمعنى إلى كما في صلى للكعبة؛ قال حسان: ما كنت أعرف أن الدهر منصر * عن هاشم ثم منها عن أبي حسن أليس أول من صلى لقبلتكم * وأعرف الناس بالأشياء والسنن وذكر الإمام أن القول بأن السجود كان لله تعالى لا ليوسف عليه السلام حسن، والدليل عليه أن قوله تعالى: * (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) * مشعر بأنهم صعدوا ثم سجدوا ولو كان السجود ليوسف عليه السلام كان قبل السعود والجلوس لأنه أدخل في التواضع بخلاف سجود الشكر لله تعالى، ومخالفة ظاهر الترتيب ظاهر المخالفة للظاهر، ودفع ما يرد عليه مما علمت بما علمت، ثم قال: وهو متعين عندي لأنه يبعد من عقل يوسف عليه السلام ودينه أن يضى بأن يسجد له أبوه مع سابقته في حقوق الولادة والشيخوخة والعلم والدين وكمال النبوة، وأجيب بأن تأخير الخرور عن الرفع ليس بنص في المقصود لأن الترتيب الذكرى لا يجب كونه على وفق الترتيب الوقوعي فلعل تأخيره عنه ليتصل به ذكر كونه تعبيرا لرؤياه وما يتصل به، وبأنه يحتمل أن يكون الله تعالى قد أمر يعقوب بذلك لحكمة لا يعلمها إلا هو وكان يوسف عليه السلام عالما بالأمر فلم يسعه إلا السكوت والتسليم، وكأن في قوله: * (يا أبت) * الخ إشارة إلى ذلك كأنه يقول: يا أبت لا يليق بمثلك على جلالتك في العلم والدين والنبوة أن تسجد لولدك إلا أن هذا أمر أمرت به وتكليف كلفت به فإن رؤيا الأنبياء حق كما أن رؤيا إبراهيم ذبح ولده صار سببا لوجوب الذبح في اليقظة. ولذا جاء عن
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»