تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢١١
و * (ما) * مصدرية و * (من) * متعلقة بأشركتموني أي كفرت بإرشراككم إياي لله تعالى في الطاعة لأنهم كانوا يطيعونه في أعمال الشر كما يطاع الله تعالى أعمال الخير، فالإشراك استعارة بتشبيه الطاعة به وتنزيلها منزلته أو لأنهم لما أشركوا الأصنام ونحوها بإيقاعه لهم في ذلك فكأنهم أشركوه، والكفر مجاز عن التبري كما في قوله تعالى: * (ويوم القيامة يكفرون بشرككم) * (فاطر: 14) ومراد اللعين أنه إن كان إشراككم لي بالله تعالى هو الذي أطمعكم في نصرتي لكم وخيل إليكم أن لكم حقا علي فإني تبرأت من ذلك ولم أحمده فلم يبق بيني وبينكم علاقة، وإرادة اليوم حسبما ذكرنا هو الظاهر فيكون الكلام محمولا على إنشاء التبري منهم يوم القيامة. وجوز النسفي أن يكون إخبارا عن أنه تبرأ منهم في الدنيا فيكون * (من قبل) * متعلقا - بكفرت - أو متنازعا فيه. وجوز غير واحد أن تكون * (ما) * موصولة بمعنى من كما قيل في قولهم: سبحانه ما سخر كن لنا، والعائد محذوف و * (من قبل) * متعلق - بكفرت - أي إني كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم عليه السلام بالذي أشركتمونيه أي جعلتموني شريكا له بالطاعة وهو الله عز وجل، فأشرك منقول من شركت زيدا للتعدية إلى مفعول ثان، والكلام على هذا إقرار من اللعين بقدم كفره وبيان لأن خطيئته سابقة عليهم فلا إغاثة لهم منه فهو في المعنى تعليل لعدم إصراخه إياهم. وزعم الإمام أنه لنفي تأثير الوسوسة كأنه يقول: لا تأثير لوسوستي في كفركم بدليل أني كفرت قبل أن وقعتم في الكفر بسبب وسوسة أخرى وإلا لزم التسلسل فثبت بهذا أن سبب الوقوع في الكفر شيء آخر سوى الوسوسة، وكان الظاهر على هذا تقديمه على قوله: * (ما أنا بمصرخكم) * إلى آخره ولا يظهر لتأخيره نكتة يهش لها الخاطر. ومنهم من جعله تعليلا لعدم إصراخهم إياه وهو مما لا وجه له إذ لا احتمال لذلك حتى يحتاج إلى التعليل، وقيل: لأن تعليل عدم إصراخهم بكفره يوهم أنهم بسبيل من ذلك لولا المانع من جهته.
واعترض بأن نحو هذا الإيهام جار في الوجه الأول وهم الكفرة الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين. وتعقب في " البحر " القول بالموصولية بأن فيه إطلاق * (ما) * على الله تعالى والأصح فيها أنها لا تطلق على آحاد من يعلم، و * (ما) * في سبحان ما سخركن يجوز أن تكون مصدرية بتقدير مضاف أي سبحان موجد أو ميسر تسخير كن لنا.
وقال الطيبي: إن * (ما) * لا تستعمل في ذي العلم إلا باعتبار الوصفية فيه وتعظيم شأنه والمثال على ذلك أي سبحان العظيم الشأن الذي سخركن للرجال مع مكركن وكيدكن، وكون * (ما) * موصولة عبارة عن الصنم أي إني كفرت بالصنم الذي إشركتمونيه مما لا ينبغي أن يلتفت إليه * (إن الظ‍المين لهم عذاب أليم) * الظاهر أنه من تمام كلام إبليس قطعا لأطماع الكفار من الإغاثة والإعانة، وحكى الله تعالى عنه ما سيقوله في ذلك الوقت ليكون تنبيها للسامعين وحثا لهم على النظر في عاقبتهم والاستعداد لما لا بد منه وأن يتصوروا ذلك المقام الذي يقول فيه الشيطان ما يقول فيخافوا ويعملوا ما ينفعهم هناك، وقيل: إنه من كلام الخزنة يوم ذاك، وقيل: إنه ابتداء كلام من جهته تعالى، وأيد بأنه قرأ الحسن. وعمرو بن عبيد * (أدخل) * في قوله تعالى:
* (وأدخل الذين ءامنوا وعملوا الص‍الحات جن‍ات تجرى من تحتها الأنه‍ار خ‍الدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سل‍ام) * .
* (وأدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) * بصيغة المضارع المسند إلى المتكلم. وأنت تعلم أنه إذا اعتبرت هذه القراءة مؤيدة لهذا القول فلتعتبر قراءة الجمهور * (أدخل) * بصيغة الماضي المبني للمفعول مؤيدة لما قبله فإن المدخلين الملائكة عليهم السلام فتأمل، وكأن الله تعالى
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»