تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٩٥
ومتعجبين من مقالتهم الحمقاء: * (أفي الله شك) * بتقديم الظرف وإدخال الهمزة عليه للإيذان بأن مدار الإنكار ليس نفس الشك بل وقوعه فيمن لا يكاد يتوهم فيه الشك أصلا، ولولا هذا القصد لجاز تقديم المبتدأ، والقول بأنه ليس كذلك خطأ لأن وقوع النكرة بعد الاستفهام مسوغ للابتداء بها وهو مما لا شك فيه، وكون ذلك المؤخر مبتدأ غير متعين بل الأرجح كونه فاعلا بالظرف المعتمد على الاستفهام كما ستعلم إن شاء الله تعالى، والكلام على تقدير مضاف على ما قيل أي أفي وحدانية الله تعالى شك، بناء على أن المرسل إليهم لم يكونوا دهرية منكرين للصانع بل كانوا عبدة أصنام، وقيل: يقدر في شأن الله ليعم الوجود والوحدة لأن فيهم دهرية ومشركين. وقيل: يقدر حسب المخاطبين وتقدير الشأن مطلقا ذو شأن، وفي عدم تطبيق الجواب على كلام الكفرة بأن يقولوا: أأنتم في شك مريب من الله تعالى مبالغة في تنزيه ساحة الجلال عن شائبة الشك وتسجيل عليهم بسخافة العقول أي أفي شأنه تعالى شأنه من وجوده ووحدته ووجوب الإيمان به وحده شك ما وهو أظهر من كل ظاهر وأجلى من كل جلى حتى تكونوا من قبله سبحانه في شك عظيم مريب، وحيث كان مقصدهم الأقصى الدعوة إلى الإيمان والتوحيد وكان إظهار البينات وسيلة إلى ذلك لم يتعرضوا للجواب عن قولهم: * (أنا كفرنا) * إلى آخره واقتصروا على بيان ما هو الغاية القصوى، وقد يقال: إنهم عليهم السلام قد اقتصروا على انكار ما ذكر لأنه يعلم منه إنكار وقوع الجزم بالكفر به سبحانه من باب أولى.
* (فاطر السموات والأرض) * أي مبدعهما وما فيهما من المصنوعات على نظام أنيق شاهد بتحقق ما أنتم في شك منه.
وفي الآية - كما قيل - إشارة إلى دليل التمانع. وجر * (فاطر) * على أنه بدل من الاسم الجليل أو صفة له. وحيث كان * (شك) * فاعلا بالظرف وهو كالجزء من عامله لا يعد أجنبيا فليس هناك فصل بين التابع والمتبوع بأجنبي وبهذا رجحت الفاعلية على المبتدئية لأن المبتدأ ليس كذلك. نعم إلى الابتدائية ذهب أبو حيان وقال: إنه لا يضر الفصل بين الموصوف وصفته بمثل هذا المبتدأ فيجوز أن تقول: في الدار زيد الحسنة وإن كان أصل التركيب في الدار الحسنة زيد.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (فاطر) * نصبا على المدح. ثم إنه بعد أن أشير إلى الدليل الدال على تحقق ما هم في شك منه نبه على عظم كرمه ورحمته تعالى فقيل: * (يدعوكم) * أي إلى الإيمان بإرساله ايانا لا أنا ندعوكم إليه من تلقاء أنفسنا كما يوهم قولكم * (مما تدعوننا إليه) * * (ليغفر لكم) * بسببه، فالمدعو إليه غير المغفرة. وتقدير الإيمان لقرينة ما سبق. ويحتمل أن يكون المدعو إليه المغفرة لا لأن اللام بمعنى إلى فإنه من ضيق العطن بل لأن معنى الاختصاص ومعنى الانتهاء كلاهما واقعان في حاق الموقع فكأنه قيل: يدعوكم إلى المغفرة لأجلها لا لغرض آخر. وحقيقته ان الأغراض غايات مقصودة تفيد معنى الانتهاء وزيادة قاله: في الكشف، وهذا نظير قوله: دعوت لما نابني مسورا * فلبي فلبى يدي مسور
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»