تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٧
يحتمل أن يكون في موضع رفع على الإبتداء والخبر محذوف تقديره أعدل أو أمضى قولا أو نحو هذا مما يدل عليه لفظ * (شهيدا) * ويراد بذلك الله تعالى، وفيه من البعد ما لا يخفى، والعلم في القراءة التي وقع * (عنده) * فيها صلة مرفوع بالمقدر في الظرف؛ فيكون فاعلا لأن الظرف إذا وقع صلة أو غل في شبه الفعل لاعتماده على الموصول فعمل عمل الفعل كقولك: مررت بالذي في الدار أخوه فأخوه فاعل كما تقول: بالذي استقر في الدار أخوه قاله الزمخشري، وليس بالمتحتم لأن الظرف وشبهه إذا وقعا صلتين أو صفتين أو حالين أو خبرين أو تقدمهما أداة نفي أو استفهام جاز فيما بعدهما من الاسم الظاهر أن يرتفع على الفاعلية وهو الأجوز وجاز أن يكون مبتدأ والظرف أو شبهه في موضع الخبر والجملة من المبتدا والخبر صلة أو صفة أو حال أو خبر، وهذا مبني على اسم الفاعل فكما جاز ذلك فيه وإن كان الأحسن أعماله في الاسم الظاهر فكذلك يجوز فميا ناب عنه من ظرف أو مجرور، وقد نص سيبويه على إجازة ذلك في نحو مررت برجل حسن وجهه فأجاز رفع حسن على أنه خبر مقدم، وقد توهم بعضهم أن اسم الفاعل إذا اعتمد على شيء مما ذكر تحتم أعماله في الظاهر وليس كذلك، وقد أعرب الحوفي * (عنده علم الكتاب) * مبتدأ وخبرا في صلة * (من) * وهو ميل إلى المرجوح، وفي الآية على القراءتين بمن الجارة دلالة على أن تشريف العبد بعلوم القرآن من إحسان الله تعالى إليه وتوفيقه، نسأل الله تعالى أن يشرفنا بهاتيك العلوم ويوفقنا للوقوف على أسرار ما فيه من المنطوق والمفهوم ويجعلنا ممن تمسك بعروته الوثقى واهتدى بهداه حتى لا يضل ولا يشقى ببركة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) * (الرعد: 20) قيل: عهد الله تعالى مع المؤمنين القيام له سبحانه بالعبودية في السراء والضراء * (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل) * فيصلون بقلوبهم محبته وبأسرارهم مشاهدته سبحانه وقربته * (ويخشون ربهم) * عند تجلي الصفات في مقام القلب فيشاهدون جلالة صفة العظمة ويلزمهم الهيبة والخشية * (ويخافون سوء الحساب) * عند تجلي الأفعال في مقام النفس فينظرون إلى البطش والعقاب فيلزمهم الخوف.
وسئل ابن عطاء ما الفرق بين الخشية والخوف؟ فقال: الخشية من السقوط عن درجات الزلفى والخوف من اللحوق بدركات المقت والجفا، وقال بعضهم: الخشية أدق والخوف أصلب * (والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم) * صبروا عما دون الله تعالى بالله سبحانه لكشف أنوار وجهه الكريم أو صبروا في سلوك سبيله سبحانه عن المألوفات طلبا لرضاه * (وأقاموا الصلاة) * صلاة المشاهدة أو اشتغلوا بالتزكية بالعبادات البدنية * (وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية) * أفادوا مما مننا عليهم من الأحوال والمقامات والكشوف وهذبوا المريدين حتى صار لهم ظاهرا وباطنا أو اشتغلوا بالتزكية بالعبادات المالية أيضا * (ويدرءون بالحسنة) * الحاصلة لهم من تجلي الصفة الإلهية السنية * (السيئة) * التي هي صفة النفس، وقال بعضهم: يعاشرون الناس بحسن الخلق فإن عاملهم أحد بالجفاء قابلوه بالوفاء * (أولئك لهم عقبى الدار) * (الرعد: 22) البقاء بعد الفناء أو العاقبة الحميدة * (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) * قيل: يدخلون جنة الذات ومن صلح من آباء الأرواح ويدخلون جنة الصفات بالقلوب ويدخلون جنة الأفعال ومن صلح من أزواج النفوس وذريات القوى أو يدخلون جنات القرب والمشاهدة والوصال ومن صلح من المذكورين تبع لهم - ولأجل عين ألف
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»