تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٨٢
الحميد اه‍ ولم نر تفسير * (الحميد) * بما ذكر لغيره، وفي المواقف وشرح أسماء الله تعالى الحسنى لحجة الإسلام الغزالي وغيرهما أن * (الحميد) * هو المحمود المثنى عليه وهو سبحانه محمود بحمده لنفسه أزلا وبحمد عباده له تعالى أبدا، وبين هذا وما ذكره الإمام بعد بعيد، وأما ما ذكره في * (العزيز) * فهو قول لبعضهم؛ وقيل: هو الذي لا مثل له.
وربما يقال على هذا: إن التقديم للاعتناء بالصفات السلبية كما يؤذن به قولهم: التخلية أولى من التحلية وكذا قوله تعالى: * (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) * (الشورى: 11) ولعل كلامه قدس سره بعد لا يخلو عن نظر [بم وقوله تعالى:
* (الله الذى له ما فى السم‍اوات وما فى الارض وويل للك‍افرين من عذاب شديد) * .
* (الله) * بالرفع على ما قرأ نافع. وابن عمر خبر مبتدأ محذوف أي هو الله والموصول الآتي صفته، وبالجر على قراءة باقي السبعة. والأصمعي عن نافع بدل مما قبله في قول ابن عطية: والحوفي. وأبي البقاء، وعطف بيان في قول الزمخشري قال: لأنه أجرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود بحق كما غلب النجم على الثريا، ولعل جعله جاريا مجرى ذلك ليس لاشتراطه في عطف البيان بل لأن عطف البيان شرطه إفادة زيادة إيضاح لمتبوعه وهي هنا بكونه كالعلم باختصاصه بالمعبود بحق وقد خرج عن الوصفية بذلك فليس صفة كالعزيز الحميد.
ثم أنه لا يخفى عليك أنه عند الأئمة المحققين علم لا أنه كالعلم، وعن ابن عصفور أنه لا تقدم صفة على موصوف إلا حيث سمع وذلك قليل، وللعرب فيما وجد من ذلك وجهان: أحدهما: أن تقدم الصفة وتبقيها على ما كانت عليه، وفي إعراب مثل هذا وجهان: أحدهما: إعرابه نعتا مقدما. والثاني: أن يجعل ما بعد الصفة بدلا، والوجه الثاني: أن تضيف الصفة إلى الموصوف اه‍، وعلى هذا يجوز أن يكون * (العزيز الحميد) * صفتين متقدمتين ويعرب الاسم الجليل موصوفا متأخرا، ومما جاء فيه تقديم ما لو أخر لكان صفة وتأخير ما لو قدم لكان موصوفا قوله: والمؤمن العائذات الطير يمسحها * ركبان مكة بين الغيل والسعد فلو جاء على الكثير لكان التركيب والمؤمن الطير العائذات، ومثله قوله: لو كنت ذا نبل وذا تشديب * لم أخش شدات الخبيث الذيب وجوز في قراءة الرفع كون الاسم الجليل مبتدأ وقوله تعالى: * (الذي له) * أي ملكا وملكا * (ما في السموات وما في الأرض) * خبره وما تقدم أولى، فإن في الوصفية من بيان كمال فخامة شأن الصراط وإظهار تحتم سلوكه على الناس ما ليس في الخبرية، والمراد بما في السموات وما في الأرض ما وجد داخلا فيهما أو خارجا عنهما متمكنا فيهما، ومن الناس من استدل بعموم * (ما) * على أن أفعال العباد مخلوقة له تعالى كما ذكره الإمام، وقوله تعالى: * (وويل للكافرين) * وعيد لمن كفر بالكتاب ولم يخرج به من الظلمات إلى النور بالويل.
وهو عند بعض نقيض الوأل بالهمز بمعنى النجاة فمعناه الهلاك فهو مصدر إلا أنه لا يشتق منه فعل إنما يقال: ويلا له فينصب نصب المصادر ثم يرفع رفعها لإفادة معنى الثبات فيقال: ويل له كسلام عليك، وقال الراغب: قال الأصمعي ويل قبوح وقد يستعمل للتحسر، وويس استصغتر، وويح ترحم، ومن قال: هو واد في جهنم لم يرد أنه في اللغة موضوع لذلك وإنما أراد أن من قال الله تعالى فيه ذلك فقد استحق مقرا من النار وثبت له ذلك، وقوله سبحانه: * (من عذاب شديد) * في موضع الصفة لويل ولا يضر الفصل على ما في " البحر " وغيره
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»