تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٦٦
أي شيئا من الأشياء أولا أفعل إلا شراك به سبحانه، والظاهر أن المراد قصر الأمر على عبادته تعالى خاصة وهو الذي يقتضيه كلام الإمام حيث قال: إن * (إنما) * للحصر ومعناه إني ما أمرت إلا بعبادة الله تعالى وهو يدل على أنه لا تكليف ولا أمر ولا نهي إلا بذلك، وقيل: معناه انما أمرت بعبادته تعالى وتوحيده لا بما أنتم عليه.
وفي إرشاد العقل السليم أن المعنى الزاما للمنكرين وردا لانكارهم إنما أمرت إلى آخره، والمراد قصر الأمر بالعبادة على الله تعالى لا قصر الأمر مطلقا على عبادته سبحانه أي قل لهم: إنما أمرت فيما أنزل إلي بعبادة الله تعالى وتوحيده. وظاهر أن لا سبيل لكم إلى إنكاره لاطباق جميع الأنبياء عليهم السلام والكتب على ذلك لقوله تعالى: * (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا) * فما لكن تشركون به عزيرا. والمسيح عليهما السلام، ولا يخفى أن هذا التفسير مبني على كون المراد من الأحزاب كفرة أهل الكتابين وهذا الكلام إلزام لهم، واعترض بأن منهم من ينكر التوحيد وإطباق جميع الأنبياء والكتب عليه كالمثلثة من النصارى.
وأجيب بأنهم مع التثليث يزعمون التوحيد ولا ينكرونه كما يدل عليه قوله: باسم الأب والابن وروح القدس إلها واحدا، وأنت تعلم أن هذا مما لا يحتاج إليه والاعتراض ناشيء من الغفلة عن المراحد، وقد يقال: المعنى إنما أمرت بعبادة الله تعالى وعدم الإشراك به وذلك أمر تستحسنه العقول وتصرح به الدلائل الآفاقية والانفسية وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد فانكاره دليل الحماقة وشاهد الجهالة لا ينبغي لعاقل أن يلتفت إليه، ويجري هذا على سائر تفاسير الأحزاب.
وقرأ أبو خليد عن نافع * (ولا أشرك) * بالرفع على القطع أي وأنا لا أشرك، وجوز أن يكون حالا أي أن أعبد الله غير مشرك به قيل: وهو الأولى لخلو الاستئناف عن دلالة الكلام على أن المأمور به تخصيص العبادة به تعالى وفيه بحث * (إليه) * أي إلى الله تعالى خاصة على النهج المذكور من التوحيد أو إلى ما أمرت به من التوحيد * (أدعو) * الناس لا إلى غيره ولا إلى شيء آخر مما لا يطبق عليه الكتب الإلهية والأنبياء عليهم السلام فما وجه انكاركم؟ قاله في الإرشاد أيضا، والأولى عود الضمير على الله تعالى كنظيره السابق وكذا اللاحق في قوله سبحانه: * (واليه) * أي الله تعالى وحده * (مآب) * أي مرجعي للجزاء وعلى ذلك اقتصر العلامة البيضاوي وكان قد زاد ومرجعكم فيما تقدم غير بعيد، واعترض بأنه كان عليه أن يزيده هنا أيضا بل هذا المقام أنسب بالتعميم ليدل على ثبوت الحشر عموما وهو المروى عن قتادة، وقد جعل الإمام هذه الآية جامعة لكل ما يحتاج المرء إليه من معرفة المبدأ والمعاد فقوله سبحانه: * (قل إنما أمرت أعبد الله ولا أشرك به) * جامع لكل ما ورد التكليف به وقوله تعالى: * (إليه أدعو) * مشير إلى نبوته عليه الصلاة والسلام. وقوله جل وعلا: * (وإليه مآب) * إشارة إلى الحشر والبعث والقيامة. وأجاب الشهاب عن ذلك بقوله: إن قول الزمخشري إليه لا إلى غيره مرجعي وأنتم تقولون مثل ذلك فلا معنى لانكاركم فيه بيان لنكتة التخصيص من أنهم ينكرون حقيقة أو حكما فلا حاجة إلى ما يقال لا حاجة لذكره هنا لدلالة قوله تعالى: * (تلك عقبي الذين اتقوا وعقبي الكافرين النار) * (الرعد: 35) انتهى.
وهو كما ترى، ولعل الاظهر أن يقال: إن دلالة الكلام عليه هنا ليست كدلالته عليه هناك إذ مساق الآية فيه للتخويف اللائق به اعتباره ومساقها هنا لأمر آخر والاقتصار على ذلك كاف فيه.
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»