تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٨٠
الأولى قوله تعالى: * (ولقد استهزىء برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم) * (الرعد: 32) وذلك مجمل في أربعة مواضع الرسل. والمستهزئين. وصفة الاستهزاء. والأخذ وقد فصلت الأربعة في قوله سبحانه: * (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح) * (التوبة: 70) الآية، وقد اشتركت السورتان مما عدا افتتاح كل منهما بالمتشابه بأن كلا قد افتتح بالألف واختتم بالباء، وجمعا أيضا في آخر ما ختمابه، وبقي مناسبات بينهما غير ما ذكرنا لو ذكرناها لطال الكلام والله تعالى أعلم بما في كتابه.
* (بسم الله الرحمن الر) * مر الكلام فيما يتعلق به * (كت‍اب) * جوز فيه أن يكون خبرا - لألر - على تقدير كونه مبتدأ أو لمبتدأ مضمر على تقدير كونه خبرا لمبتدأ محذوف أو مفعولا لفعل محذوف أو مسرودا على نمط التعديد، وجوز أن يكون خبرا ثانيا للمبتدأ الذي أخبر عنه - بالر - وأن يكون مبتدأ وسوغ به كونه موصوفا في التقدير أي كتاب عظيم، وقوله تعالى: * (أنزلن‍اه إليك) * إما في موضع الصفة أو الخبر وهو مع مبتدآته قيل في موضع التفسير، وفي إسناد الإنزال إلى ضمي العظمة ومخاطبته عليه الصلاة والسلام مع إسناد الإخراج إليه صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه: * (لتخرج الناس من الظلم‍ات إلى النور) * ما لا يخفى من التفخيم والتعظيم، واللام متعلقة * (بأنزلناه) *، والمراد من الناس جميعهم أي أنزلناه إليك لتخرجهم كافة بما في تضاعيفه من البينات الواضحة المفصحة عن كونه من عند الله تعالى الكاشفة عن العقائد الحقة من عقائد الكفر والضلال وعبادة الله عز وجل من الآلهة المختلفة كالملاكئة وخواص البشر والكواكب والأصنام التي كلها ظلمات محضة وجهالات صرفة إلى الحق المؤسس على التوحيد الذي هو نور بحت وقرىء * (ليخرج) * بالياء التحتانية في * (يخرج) * ورفع * (الناس) * به * (بإذن ربهم) * أي بتيسيره وتوفيقه تعالى وهو مستعار من الاذن الذي يوجب تسهيل الحجاب لمن يقصد الورود، ويجوز أن يكون مجازا مرسلا بعلاقة اللزوم، وقال محيى السنة: إذنه تعالى أمره، وقيل: علمه وقيل: إرادته جل شأنه وهي ما قيل متقاربة، ومنع الإمام أن يراد بذلك الأمر أو العلم وعلله بما لا يخلو عن نظر. وفي الكلام على ما ذكر أولا ثلاث استعارات. إحداها ما سمعت في الاذن والأخريان في * (الظلمات) * و * (النور) * وقد أشير إلى المراد منهما، وجوز العلامة الطيبي أن تكون كلها استعارة مركبة تمثيلية بتصوير الهدى بالنور والضلال بالظلمة والمكلف المنغمس في ظلمة الكفر بحيث لا يتسهل له الخروج إلى نور الايمان إلا بتفضل الله تعالى بإرسال رسول بكتاب يسهل عليه ذلك كمن وقع في تيه مظلم ليس منه خلاص فبعث ملك توقيعا لبعض خواصه في استخلاصه وضمن تسهيل ذلك على نفسه ثم استعمل هنا ما كان مستعملا هناك فقيل: توقيعا لبعض خواصه في استخلاصه وضمن تسهيل ذلك على نفسه ثم استعمل هنا ما كان مستعملا هناك فقيل: * (كتاب أنزلناه) * إلى آخره، وكان الظاهر - بإذننا - إلا أنه وضع ذلك الظاهر موضع الضمير، وقيل: * (ربهم) * للإشعار بالتربية واللطف والفضل وبأن الهداية لطف محض، وفيه أن الكتاب والرسول والدعوة لا تجدي دون إذن الله تعالى كما قال سبحانه: * (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) * (القصص: 56) اه‍، وما ذكره من الاستعارة التمثيلية مع بلاغته وحسنه لا يخلو عن بعد، وكأنه للأنباء عن كون التيسير والتوفيق منوطين بالإقبال إلى الحق كما يفصح عنه قوله تعالى: * (ويهدي إليك من أناب) * (الرعد: 27) استعير لذلك الاذن الذي هو ما علمت، وأضيف إلى ضمير الناس اسم الرب المفصح عن التربية التي هي عبارة عن تبليغ الشيء إلى كماله المتوجه إليه، وشمول
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»