تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٨٨
لذلك قول عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غرر طوال * عصينا الملك فيها إن ندينا وأنشده الشهاب للمعنى السابق، وأنشد لهذا قوله: وأيامنا مشهورة في عدونا وأخرج النسائي. وعبد الله بن حمد في " زوائد المسند ". والبيهقي في شعب الإيمان. وغيرهم عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام في الآية بنعم الله تعالى وآلائه، وروى ذلك ابن المنذر عن ابن عباس. ومجاهد، وجعل أبو حيان من ذلك بيت عمرو، واوظهر فيه ما ذكره الطبرسي.
وأنت تعلم أنه إن صح الحديث فعليه الفتوى، لكن ذكر شيخ الإسلام في ترجيح التفسير المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أولا على ما روي ثانيا بأنه يرد الثاني ما تصدى له عليه السلام بصدد الامتثال من التذكير بكل من السراء والضراء مما جرى عليهم وعلى غيرهم حسبما يتلى بعد، وهو يبعد صحة الحديث، والقول بأن النقم بالنسبة إلى قوم نعم بالنسبة إلى آخرين كما قيل: مصائب قوم عند قوم فوائد مما لا ينبغي أن يلتفت إليه عاقل في هذا المقام. نعم إن قوله تعالى: * (اذكروا نعمة الله عليكم) * (إبراهيم: 6) ظاهر في تفسير الأيام بالنعم وما يستدعي غير ذلك ستسمع فيه أقوالا لا يستدعيه على بعضها.
وزعم بعضهم أن المراد من قومه عليه السلام القبط * (والظلمات والنور) * الكفر والإيمان لا غير، وقيل: قومه عليه السلام القبط. وبنو إسرائيل وكان عليه السلام مبعوثا إليهم جميعا إلا أنه بعث إلى القبط بالاعتراف بوحدانية الله تعالى وأن لا يشركوا به سبحانه شيئا، وإلى بني إسرائيل بذلك وبالتكليف بفروع الشريعة.
وقيل: هم بنو إسرائيل فقط إلا أن المراد من * (الظلمات. والنور) * إن كانوا كلهم مؤمنين ظلمات ذل العبودية ونور عزة الدين وظهور أمر الله تعالى، ونحن نقول: نسأل الله تعالى أن يخرجنا وأهل هذه الأقوال من ظلمات الجهل إلى نور العلم * (إن في ذالك) * أي ذي التذكير بأيام الله تعالى أو في الأيام * (لآيات) * عظيمة أو كثيرة دالة على وحدانية الله تعالى وقدرته وعلمه وحكمته، وهي على الأول الأيام، ومعنى كون التذكير ظرفا لها كونه مناطا لظهورها، وعلى الثاني كذلك أيضا إلا أن كلمة * (في) * تجريدية أو هي عليه كل واحدة من النعماء والبلاء، والمشار إليه المجموع المشتمل عليها من حيث هو مجموع، وجوز أن يراد بالأيام فيما سبق أنفسها المنطوية على النعم والنقم، فإذا كانت الإشارة إليها وحملت الآيات على النعماء والبلاء فأمر الظرفية ظاهر * (لكل صبار) * كثير الصبر على بلائه تعالى * ( شكور) * كثير الشكر لنعمائه عز وجل.
وقيل: المراد لكل مؤمن، فعلى الأول الوصفان عبارتان لمعنيين، وعلى هذا عبارة عن معنى واحد على طريق الكناية كحي مستوي القامة بادي البشرة في الكناية عن الإنسان، والتعبير عن المؤمن بذلك للإشعار بأن الصبر والشكر عنوان المؤمن الدال على ما في باطنه. والمراد على ما قيل لكل من يليق بكمال الصبر والشكر أو الإيمان ويصير أمره إلى ذلك لا لمن اتصف به بالفعل لأن الكلام تعليل للأمر بالتذكير المذكور السابق على التذكير المؤدي إلى تلك المرتبة، فإن من تذكر ما فاض أو نزل عليه أو على ما قبله من النعمة والنقمة وتنبه لعاقبة الصبر والشكر أو الإيمان لا يكاد يفارق ذلك وتخصيص الآيات بالصبار الشكور لأنه المنتفع بها لا لأنها خافية عن غيره فإن التبيين حاصل بالنسبة إلى الكل، وتقديم الصبر على الشكر لما أن الصبر مفتاح
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»