تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٨
عن تكرم - * (والملائكة يدخلون عليهم من كب باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) * (الرعد: 24) يدخل عليهم أهل الجبروت والملكوت من كل باب من أبواب الصفات محيين لهم بتحايا الإشراقات النورية والإمدادات القدسية أو يدخل عليهم الملائكة الذي صحبوهم في الدنيا من كل باب من أبواب الطاعة مسلمين عليهم بعد استقرارهم في منازلهم كما يسلم أصحاب الغائب عليه إذا قدم إلى منزله واستر فيه * (الذين آمنوا) * الايمان العلمي بالغيب * (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) * قالوا: ذكر النفس باللسان والتفكر في النعم، وذكر القلب بالتفكر في الملكوت ومطالعة صفات الجمال، وذكر السر بالمناجاة، وذكر الروح بالمشاهدة، وذكر الخفاء بالمناغاة في العشق، وذكر الله تعالى بالفناء فيه * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) وذلك أن النفس تضطرب بظهور صفاتها وأحاديثها وتطيش فيتلون القلب ويتغير لذلك فإذا تفكر في الملكوت ومطالعة أنوار الجمال والجبروت استقر واطمأن، وسائر أنواع الذكر إنما يكون بعد الاطمنان، قال الهزجوري: قلوب الأولياء مطمئنة لا تتحرك دائما خشية أن يتجلى الله تعالى عليها فجأة فيجدها غير متسمة بالأدب * (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * تخلية وتحلية * (طوبى لهم) * بالوصول إلى الفطرة وكمال الصفات * (وحسن مآب) * (الرعد: 29) بالدخول في جنة القلب وهي جنة الصفات أو طوبى لهم الآن حيث لم يوجد منهم ما يخالف رضاء محبوبهم وحسن مآب في الآخرة حيث لا يجدون من محبوبهم خلاف مأمولهم * (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) * (الرعد: 33) أي بحسب كسبها ومقتضاه أي كما تقتضي مكسوباتها من الصفات والأحوال التي تعرض لاستعدادها يفيض عليها من الجزاء * (قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به) * (الرعد: 36) ما أخرج سبحانه أحدا من العبودية حتى سيد أحرار البرية صلى الله عليه وسلم، وفسرها أبو حفص بأنها ترك كل ملك وملازمة المأمور به.
وقال الجنيد قدس سره: لا يرتقي أحد في درجات العبودية حتى يحكم فيما بينه وبين الله تعالى أوائل البدايات وهي الفروض والواجبات والسنن والأوراد، ومطايا الفضل عزائم الأمور فمن أحكم على نفسه هذا من الله تعالى عليه بما بعده * (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية) * فيه على ما قيل إشارة إلى أنه إذا شرف الله تعالى شخصا بولايته لم يضر به مباشرة أحكام البشرية من الأهل والولد ولم يكن بسط الدنيا له قدحا في ولايته، وقوله سبحانه: * (وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله) * فيه منع طلب الكرامات واقتراحها من المشايخ * (لكل أجل كتاب) * (الرعد: 38) لكل وقت أمر مكتوب يقع فيه ولا يقع في غيره؛ ومن هنا قيل: الأمور مرهونة لأوقاتها، وقيل: لله تعالى خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص * (يمحو الله) * ما يشاء ويثبت) * قيل: يمحو عن ألواح العقول صور الأفكار ويثبت فيها أنوار الأذكار ويمحو عن أوراق القلوب علوم الحدثان ويثبت فيها لدنيات علم العرفان، وقيل: يمحو العارفين بكشف جلاله ويثبتهم في وقت آخر بلطف جماله، وقال ابن عطاء: يمحو أوصافهم ويثبت أسرارهم لأنها موضع المشاهدة، وقيل: يمحو ما يشاء عن الألواح الجزئية التي هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن المواد ويفنى ويثبت ما يشاء فيها فيوجد * (وعنده أم الكتاب) * (الرعد: 39) العلم الأزلي القائم بذاته سبحانه، وقيل: لوح القضاء السابق الذي هو عقل الكل وفيه كل ما كان ويكون أزلا وأبدا على الوجه الكلي المنزه عن المحو والاثبات، وذكروا أن الألواح أربعة. لوح القضاء السابق العالي عن المحو والإثبات وهو لوح العقل الأول. ولوح القدر وهو لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الأول وهو المسمى باللوح المحفوظ. ولوح النفس الجزئية
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»