تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٣
عليك البلاغ) * فيصير المعنى وعلينا لا عليك محاسبة أعمالهم، قيل: وهو الظاهر ترجيحا للمنطوق على المفهوم إذا اجتمع دليلا حصر، وحاصل معنى الآية كيفما دارت الحال أريناك بعض ما وعدناهم من العذاب الدنيوي أو لم نركه فعلينا ذلك وما عليك إلا التبليغ فلا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك به من الظفر ولا يضجرك تأخره فإن ذلك لما نعلم من المصالح الخفية. وفي " البحر " عن الحوفي أنه قد تقدم في الآية شرطان * (نرينك. ونتوفينك) * لأن المعطوف على الشرط شرط، وقوله تعالى: * (فإنما عليك البلاغ) * لا يصلح أن يكون جوابا للشرط الأول ولا للشرط الثاني لأنه لا يترتب على شيء منهما وهو ظاهر فيحتاج إلى تأويل، وهو أن يقدر لكل شرط منهما ما يناسب أن يكون جزاء مترتبا عليه، فيقال والله تعالى أعلم: وإما نرينك بعض الذين نعدهم فذلك شافيك من أعدائك ودليل صدقك وإما نتوفينك قبل حلوله بهم فلا لوم عليك ولا عتب، ويكون قوله تعالى: * (فإنما) * الخ دليلا عليهما، والواقع من الشرطين هو الأول كما في بدر.
ثم إنه سبحانه طيب نفسه عليه الصلاة والسلام بطلوع تباشير الظفر فقال جل شأنه:
* (أولم يروا أنا نأتى الارض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب) * .
* (أولم يروا) * الخ، والاستفهام للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أأنكروا نزول ما وعدناهم أو أشكوا أو ألم ينظروا في ذلك ولم يروا * (أنا نأتي الأرض) * أي أرض الكفرة * (ننقصها من أطرافها) * من جوانبها بأن نفتحها شيئا فشيئا ونلحقها بدار الإسلام ونذهب منها أهلها بالقتل والأسر والإجلاء أليس هذا مقدمة لذاك.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: * (أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون) * (الأنبياء: 44) وروي ذلك عن ابن عباس. والحسن. والضحاك. وعطية. والسدي. وغيرهم، وروي عن ابن عباس أيضا وأخرجه الحاكم عنه وصححه أن انتقاص الأرض موت أشرافها وكبرائها وذهاب العلماء منها. وفي رواية عن أبي هريرة يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الاقتصار على الأخير، وروي أيضا عن مجاهد، فالمراد من الأرض جنسها، والأطراف كما قيل بمعنى الإشراف، ومجىء ذلك بهذا المعنى محكي عن ثعلب، واستشهد له الواحدي بقول الفرزدق: واسأل بنا وبكم إذا وردت مني * أطراف كل قبيلة من يمنع وقريب من ذلك قول ابن الأعرابي: الطرف والطرف الرجل الكريم. وقول بعضهم: طرف كل شيء خياره، وجعلوا من هذا قول علي كرم الله تعالى وجهه: العلوم أودية في أي واد أخذت منها خسرت فخذوا من كل شيء طرفا قال ابن عطية: أراد كرم الله تعالى وجهه خيارا؛ وأنت تعلم أن الأظهر جانبا، وادعى الواحدي أن تفسير الآية بما تقدم هو اللائق. وتعقبه الإمام بأنه يمكن القول بلياقة الثاني، وتقرير الآية عليه أو لميروا أنا نحدث في الدنيا من الاختلافات خرابا بعد عمارة وموتا بعد حياة وذلا بعد عز ونقصا بعد كمال وهذه تغييرات مدركة بالحس فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله تعالى الأمر عنهم فيجعلهم أذلة بعد أن كانوا أعزة ومقهورين بعد أن كانوا قاهرين وهو كما ترى، وقيل: نقصها هلاك من هلك من الأمم قبل قريش وخراب أرضهم أي ألم يروا هلاك من قبلهم وخراب ديارهم فكيف يأمنون من حلول ذلك بهم، والأول أيضا أوفق بالمقام منه، ولا يخفى ما في التعبير بالإتيان المؤذن بعظيم الاستيلاء من الفخامة كما في قوله تعالى: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) * (الفرقان: 23) وفي " الحواشي الشهابية " أن المعنى يأتيها أمرنا وعذابنا، وجملة * (ننقصها) * في موضع الحال من فاعل * (يأتي) * أو من مفعوله؛ وقرأ الضحاك * (ننقصها) * مثقلا من نقص
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»