تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٢
بل في مفهوم اعتباري وهو جائز. وأجاب كثير من الأشاعرة والمعتزلة بأن العلم بأن الشيء وجد والعلم بأنه سيوجد واحد فإن من علم أن زيدا سيدخل البلد غدا فعند حصول الغد يعلم بهذا العلم بأنه دخل البلد الآن إذا كان علمه هذا مستمرا بلا غفلة مزيله له؛ وإنما يحتاج أحدنا إلى علم آخر متجدد يعلم به أنه دخل الآن لطريان الغفلة عن الأول، والباري تعالي يمتنع عليه الغفلة فكان علمه سبحانه بأنه وجد عين علمه بأنه سيوجد فلا يلزم من تغير المعلوم تغير في العلم؛ ونهاية كلامه في هذا المقام أنه يجوز أن يتغير ما في علم الله تعالى وإلا لتعين عليه سبحانه الفعل أو الترك وفيه من الحجر عليه جل جلاله ما لا يخفى، ولا يلزم من ذلك التغير سوى التغير في التعلقات وهو غير ضار، واعترض بأنه على هذا القول لا يبقى وثوق بشيء من الأخبار الغيبية كالحشر والنشر وكذا لا يبقى وثوق بالأخبار بأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لجواز أن يكون الله تعالى قد علم ذلك حين أخبر ثم تعلق علمه بخلافه لكنه سبحانه لم يخبر ولا نقص في الإخبار الأول لأنه إخبار عما كان متعلق العلم إذ ذاك، وأيضا يلزم من ذلك نفي نفس الأمر أو نفي كون تعلق العلم على وفقه وكلا النفيين كما ترى. بقي الجواب عما تمسك به وهو عن بعض ظاهر وعن بعض يحتاج إلى تأمل فتأمل. واستدل بالآية بعض الشيعة القائلين بجواز البداء على الله سبحانه وفيه ما فيه هذا.
ويخطر لي في الآية معنى لم أر من ذكره وهو أن يراد بقوله سبحانه: * (يمحو الله ما يشاء ويثبت) * (الرعد: 38) ما ذكرناه أولا قبل حكاية الأقوال وهو مما رواه البيهقي في المدخل. وغيره عن ابن عباس، وابن جرير عن قتادة ويخصص ذلك بالأحكام الفرعية، ويراد بأم الكتاب الأحكام الأصلية فإنها مما لا تقبل النسخ وهي أصل لكل كتاب باعتبار أن الأحكام الفرعية التي فيه إنما تصح ممن أتى بها لكن لا يساعد على هذا المأثور عن السلف. نعم هو مناسب للمقام كما لا يخفى، وزعم الضحاك. والفراء أن في الآية قلبا والأصل لكل كتاب أجل. وتعقب بأنه لا يجوز ادعاء القلب إلا في ضرورة الشعر على أنه لا داعي إليه هنا بل قد يدعي فساد المعنى عليه؛ وأيا ما كان فأل في الكتاب للجنس فهو شامل للكثير، ولهذا فره غير واحد بالجمع. وقرأ نافع. وابن عامر * (ويثبت) * بالتشديد.
* (وإن ما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البل‍اغ وعلينا الحساب) * .
* (وإن ما نرينك) * أصله إن نريك و * (ما) * مزيدة لتأكيد معنى الشرط، ومن ثمة الحقت النون بالفعل، قال ابن عطية: ولو كانت * (إن) * وحدها لم يجز إلحاق النون، وهو مخالف لظاهر كلام سيبويه، قال ابن خروف: أجاز سيبويه الإتيان - بما - وعدم الإتيان بها والإتيان بالنون مع * (ما) * وعدم الإتيان بها، والإراءة هنا بصرية والكاف مفعول أول وقوله سبحانه: * (بعض الذي نعدهم) * مفعول ثان، والمراد بعض الذي وعدناهم من إنزال العذاب عليهم، والعدول إلى صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أو نعدم وعدا متجددا حسب ما تقتضيه الحكمة من إنذار عقيب إنذار، وفي إيراد البعض رمز على ما قيل إلى إراءة بعض الموعود * (أو نتوفينك) * قبل ذلك * (فإنما عليك البلاغ) * أي تبليغ أحكام ما أنزلنا عليك وما تضمنه من الوعد والوعيد لا تحقيق مضمون الوعيد الذي تضمنه ذلك، فالمقصور عليه البلاغ ولهذا قدم الخبر، وهذا الحصر مستفاد من * (إنما) * لا من التقديم وإلا لانعكس المعنى، وقوله تعالى: * (وعلينا الحساب) * الظاهر أنه معطوف على ما في حيز * (إنما) * فيصير المعنى إنما علينا محاسبة أعمالهم السيئة والمؤاخذة بها دون جبرهم على اتباعك أو إنزال ما اقترحوه عليك من الآيات. واعتبر الزمخشري عطفه على جملة * (إنما
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»