تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٨١
الاذن بذلك المعنى للكل واضح وعليه يدور كون الإنزال لإخراجهم جميعا، وعدم تحقق الاذن بالفعل في بعضهم لعدم تحقق شرطه المستند إلى سوء اختيارهم ورداءة استعدادهم غير مخل بذلك، ومن هنا فساد قول القطبرسي: إن اللام لام الغرض لا لام العاقبة والإلزام أن يكون جميع الناس مؤمنين والواقع بخلافه، وذكر الإمام أن المعتزلة استدلوا بهذه الآية على أن أفعال الله تعالى تعلل برعاية المصالح، ثم ساق دليل أصحابه على امتناع ذلك وذكر أنه إذا ثبت الامتناع يلزم تأويل كل ما أشعر بخلافه وتأويله بحمل اللام على لام العاقبة ونحوها، ونقل عن ابن القيم. وغيره القول بالتعليل وأنه مذهب السلف وأن في الكتاب والنسة ما يزيد على عشرة آلاف موضع ظاهرة في ذلك وتأويل الجميع خروج عن الإنصاف، وليس الدليل على امتناع ذلك من المتانة على وجه يضطر معه إلى التويل، وللشيخ إبراهيم الكوراني في بعض رسائله كلام نفيس في هذا الغرض سالم فيما أرى عن العلة إن أردته فارجع إليه، والباء متعلقة - بتخرج - على ما هو الظاهر، وجوز أن يكون متعلقا بمضمر وقع حالا من مفعوله أي ملتبسين بإذن ربهم، ومنهم من جوز كونه حالا من فاعله أي ملتبسا بإذن ربهم. وتعقب بأنه يأباه إضافة الرب إليهم لا إليه صلى الله عليه وسلم. ورود بما رد فتأمل. واستدل بالآية القائلون بأن معرفة الله تعالى لا تحصل إلا من طريق التعليم من الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ذكر فيها أنه عليه الصلاة والسلام هو الذي يخرج الناس من ظلمات الضلال إلى نور الهدى. وأجيب بأن الرسول عليه الصلاة والسلام كالمنبه وأما المعرفة فإنما تحصل من الدليل، واستدل بها أيضا كل من المعتزلة وأهل السنة على مذهبه في أفعال العباد وتفضيل ذلك في تفسير الإمام.
* (إلى صراط العزيز الحميد) * الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور فيما تقدم أعني قوله تعالى: * (إلى النور) * وقال غير واحد: إن * (صراط) * بدل من * (النور) * وأعيد عامله وكرر لفظا ليدل على البدلية كما في قوله تعالى: * (للذين استضعفوا لمن آمن منهم) * (الأعراف: 75) ولا يضر الفصل بين البدل والمبدل منه بما قبله لأنه غير أجنبي إذ هو من معمولات العامل في المبدل منه على كل حال. واستشكل هذا مع الاستعارة السابقة بأن التعقيب بالبدل لا يتقاعد عن التعقيب بالبيان في مثل قوله تعالى: * (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) * (البقرة: 187) وأجيب بأن الصراط استعارة أخرى للهدى جعل نورا أولا لظهوره في نفسه واستضاءة الضلال في مهواة الهوى به، ثم جعل ثانيا جادة مسلوكة مأمونة لا كبنيات الطرق دلالة على تمام الإرشاد.
وفي الإرشاد أن إخلال البيان والبدل بالاستعارة إنما هو في الحقيقة لا في المجاز وهو ظاهر، وجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف على أنه جواب سائل يسأل إلى أي نور؟ فقيل: * (إلى صراط) * إلى آخره، وإضافة الصراط إليه تعالى لأنه مقصده أو المبين له، وتخصيص الوصفين الجليلين بالذكر للترغيب في سلوكه إذ في ذلك إشارة إلى أنه يعز سالكه ويحمد سابله، وقال أبو حيان: النكتة في ذلك أنه لما ذكر قبل إنزاله تعالى لهذا الكتاب وإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة لإنزاله مثل هذا الكتاب المعجز الذي لا يقدر عليه سواه، وصفة الحمد لإنعامه بأعظم النعم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ووجه التقديم والتأخير على هذا ظاهر.
وقال الإمام: إنما قدم ذكر * (العزيز) * على ذكر * (الحميد) * لأن الصحيح أن أول العلم بالله تعالى العلم بكونه تعالى قادرا ثم بعد ذلك العلم بكونه عالما ثم بعد ذلك العلم بكونه غنيا عن الحاجات، والعزيز هو القادر والحميد هو العالم الغني فلما كان العلم بكونه تعالى قادرا متقدما على العلم بكونه عالما بالكل غنيا عنه لا جرم قدم ذكر العزيز على ذكر
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»