تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٤
عداه بالتضعيف من نقص اللازم على ما في " البحر " * (والله يحكم) * ما يشاء كما يشاء وقد حكم لك ولأتباعك بالعز والإقبال وعلى أعدائك ومخالفيك بالقهر والإذلال حسبما يشاهده ذوو الأبصار من المخائل والآثار، وفي الالتفات من التكلم إلى الغيبة وبناء الحكم على الاسم الجليل من الدلالة على الفخامة وتربية المهابة وتحقيق مضمون الخبر بالإشارة إلى العلة ما لا يخفى، وهي جملة اعتراضية جىء بها لتأكيد فحوى ما تقدمها، وقوله سبحانه: * (لا معقب لحكمه) * اعتراض أيضا لبيان علو شأن حكمه جل وعلا، وقيل: هو نصب على الحال كأنه قيل: والله تعالى يحكم نافذا حكمه كما تقول: جاء زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة أي حاسرا وإليه ذهب الزمخشري، قيل: وإنما أول الجملة الاسمية بالمفرد لأن تجردها من الواو إذا وقعت حالا غير فصيح عنده ولا يخفى عليك أن جعلها معترضة أولى وأعلى، والمعقب من يكر على الشيء فيبطله وحقيقته الذي يعقب الشيء بالإبطال، ومنه يسمى الذي يطلب حقا من آخر معقبا لأن يعقب غريمه ويتبعه للتقاضي، قال لبيد: حتى تهجر بالرواح وهاجها * طلب المعقب حقه المظلوم وقد يسمى الماطل معقبا لأنه يعقب كل طلب برد، وعن أبي علي عقبني حقي أي مطلني، ويقال للبحث عن الشيء تعقب، وجوز الراغب أن يراد هذا المعنى هنا على أن يكون الكلام نهيا للناس أن يخوضوا في البحث عن حكمه وحكمته إذا خفيت عليهم، ويكون ذلك من نحو النهي عن الخوض في سر القدر * (وهو سريع الحساب) * فعما قليل يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة بعدما عذبهم بالقتل والأسر والإجلاء في الدنيا حسبما يرى، وكأنه قيل: لا تستبطىء عقابهم فإنه آت لا محالة وكل آت قريب، وقال ابن عباس: المعنى سريع الانتقام.
* (وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكف‍ار لمن عقبى الدار) * .
* (وقد مكر) * الكفار * (الذين) * خلوا * (من قبلهم) * من قبل كفار مكة بأنبيائهم وبالمؤمنين كما فعل هؤلاء، وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا عبرة بمكرهم ولا تأثير بل لا وجود له في الحقيقة، ولم يصرح سبحانه بذلك اكتفاء بدلالة القصر المستفاد من تعليله أعني قوله تعالى: * (فلله المكر) * أي جنس المكر * (جميعا) * لا وجود لمكرهم أصلا، إذ هو عبارة عن إيصال المكروه إلى الغير من حيث لا يشعر به وحيث كان جميع ما يأتون ويذرون بعلمه وقدرته سبحانه وإنما لهم مجرد الكسب من غير فعل ولا تأثير حسبما يبينه قوله تعالى: * (يعلم ما تكسب كل نفس) * ومن قضيته عصمة أوليائه سبحانه وعقاب الماكرين بهم توفية لكل نفس جزاء ما كسبت ظهر أن ليس لمكرهم بالنسبة إلى من مكروا بهم عين ولا أثر وإن المكر كله لله تعالى حيث يؤاخذهم بما كسبوا من فنون المعاصي التي من جملتها مكرهم من حيث لا يحتسبون، كذا قاله شيخ الإسلام، وقد تكلف قدس سره في ذلك ما تكلف، وحمل الكسب على ما هو الشائع عند الأشاعرة والله تعالى لا يفرق بينه وبين الفعل وكذا رسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعون واللغويون؛ وقيل: وجه الحصر أنه لا يعتد بمكر غيره سبحانه لأنه سبحانه هو القادر بالذات على إصابة المكروه المقصود منه وغيره تعالى إن قدر على ذلك فبتمكينه تعالى وإذنه فالكل راجع إليه جل وعلا. وفي " الكشاف " أن قوله تعالى: * (يعلم ما تكسب كل نفس) * الخ تفسير لقوله سبحانه: * (فلله المكر جميعا) * لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعدلها جزاءها فهو له المكر لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة مما يراد بهم، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي فلله جزاء المكر. وجوز في أل أن تكون للعهد أي له
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»