تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٩
السماوية التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم بشكله وهيئته ومقداره وهو المسمى بالسماء الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما أن الأول بمثابة روحه والثاني بمثابة قلبه. ثم لوح الهيولي القابل للصور في عالم الشهادة اه‍ وهو كلام فلسفي * (أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) * قيل: ذلك بذهاب أهل الولاية الذي بهم عمارة الأرض، وقيل: الإشارة أنا نقصد أرض وقت الجسد الشيخوخة ننقصها من أطرافها بضعف الأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة شيئا فشيئا حتى يحصل الموت أو نأتي أرض النفس وقت السلوك ننقصها من أطرافها بإفناء أفعالها بأفعالنا أولا وبإفناء صفاتها بصفاتنا ثانيا وبافناء ذاتها في ذاتنا ثالثا * (لا معقب لحكمها) * (الرعد: 41) لا راد ولا مبدل لكل ما حكم به نسأل الله تعالى أن يحكم لنا بما هو خير وأولى لي الآخرة والأولى بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وعظم وكرم.
سورة إبراهيم عليه السلام أخرج ابن مردويه عن ابن عباس. وابن الزبير أنها نزلت بمكة. والظاهر أنهما أرادا أنها كلها كذلك وهو الذي عليه الجمهور، وأخرج النحاس في ناسخه عن الحبر أنها مكية إلا آيتين منها فانهما نزلتا بالمدينة وهما * (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفروا) * (إبراهيم: 28) الآيتين نزلتا في قتلى بدر من المشركين، وأخرج نحوه أبو الشيخ عن قتادة، وقال الإمام إذا لم يكن في السورة ما يتصل بالأحكام فنزولها بمكة والمدينة سواء إذ لا يختلف الغرض فيه إلا أن يكون فيها ناسخ أو منسوخ فتظهر فائدته يعني أنه لا يختلف الحال وتظهر ثمرته إلا بما ذكر فإن لم يكن ذلك فليس فيه إلا ضبط زمان النزول وكفى به فائدة، وهل في هذه السورة منسوخ أولا؟ قولان والجمهور على الثاني. وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أن فيها آية منسوخة وهي قوله تعالى: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) * (إبراهيم: 34) فإنه قد نسخت باعتبار الآخر بقوله تعالى في (سورة النحل: 18) * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) * وفيه نظر، وهي إحدى وخمسون آية في البصرى، وقيل: خمسون فيه، وإثنان وخمسون في الكوفى، وأربع في المدني، وخمس في الشامي. وارتباطها بالسورة التي قبلها واضح جدا لأنه قد ذكر في تلك السورة من مدح الكتاب وبيان أنه مغن عما اقترحوه ما ذكر، وافتتحت هذه بوصف الكتاب والإيماء إلى أنه مغن عن ذلك أيضا، وإذا أريد ب * (عنده علم الكتاب) * (الرعد: 43) الله تعالى ناسب مطلع هذه ختام تلك أشد مناسبة، وأيضا قد ذكر في تلك إنزال القرآن حكما عربيا ولم يصرح فيها بحكمة ذلك وصرح بها هنا وأيضا تضمنت تلك الأخبار من قبله تعالى بأن ما كان لرسول الله أن يأتي بآية إلا بإذن الله تعالى وتضمنت هذه الأخبار به من جهة الرسل عليهم السلام وأنهم قالوا: ما كان لنا أن نأتي بسلطان إلا بإذن الله، وأيضا ذكر هناك أمره عليه الصلاة والسلام بأن * (عليه توكلت) * (الرعد: 30) وحكى هنا هن إخوانه المرسلين عليهم السلام توكلهم عليه سبحانه وأمرهم بالتوكل عليه جل شأنه، واشتملت تلك على تمثيل للحق والباطل واشتملت هذه على ذلك أيضا بناء على بعض ما ستسمعه إن شاء الله تعالى في قوله سبحانه: * (مثلا كلمة طيبة) * (إبراهيم: 24) إلى آخره، وأيضا ذكر في الأولى من رفع السماء ومد الأرض وتسخير الشمس والقمر إلى غير ذلك ما ذكر وذكر هنا نحو ذلك إلا أنه سبحانه اعتبر ما ذكر أولا آيات وما ذكر ثانيا نعما وصرح في كل بأشياء لم يصرح بها في الآخر، وأيضا قد ذكر هناك مكر الكفرة وذكر هنا أيضا وذكر من وصفه ما لم يذكر هناك، وأيضا قال الجلال السيوطي: إنه ذكر في
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»